شقيقٌ جنّد شقيقه لتنفيذ عملية انتحارية في وسط بيروت. تلك هي حكاية الشقيقين مصطفى وحمزة الصفدي كما رواها قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا في متن قراره الظني الصادر أمس. الأول موظف في شركة سوليدير، مسؤول عن التحكم في كاميرات المراقبة وصيانة المولدات الكهربائية في وسط بيروت، فيما الثاني مقاتل في صفوف الكتيبة الخضراء، التي بايعت تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة، ومعظم عناصرها أمنيون وانتحاريون.
أما الأهداف المفترض ضربها، فتركزت على نسف مبنى في وسط بيروت لاغتيال رجال أعمال وسياسيين وضباط. المدخل الى علاقة مصطفى بمسؤولين في التنظيم المتشدد كان شقيقه ولعبة «Boom Beach» التي تعرف عبرها الى أبو مالك التونسي والشيخ الأثري وأبو البراء عبر تطبيق التيليغرام، حيث كان يلقّب نفسه بـ«ترجمان الملك». لاحقاً، صار تطبيق «واتساب» وسيلة التواصل بينه وبين شقيقه ومسؤولي «داعش». وفي إحدى المحادثات بين حمزة ومصطفى، قال الأخير: «بدّي فجّر المبنى ويلّي فيه بعملية استشهادية. يا سلام سأودّع الدنيا بكبسة زر».

أنكر اعترافاته مدّعياً أنها انتُزعت تحت الضرب، رغم أنها تطابقت مع محادثاته عبر الواتساب

وأضاف: «بدي فجّر المبنى بساكنيه... بكرا بتشوف». جاءت هذه العبارة في معرض حديثه عن انتقاله من مبنى «نور غاردن» الى مبنى «تراس بيروت» الذي يقيم فيه رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ووزير التربية السابق الياس بو صعب. في هذه المحادثة كان حمزة يحادث شقيقه طالباً منه الدعاء له لنيل الشهادة، فيما الأخير يصرّ عليه لنقله إلى «أرض دولة الخلافة». وكان يردّ الاول: «لما بلاقيك جاهز، بجيبك. وبتعرف توصل إن صدقت مع الله في الطلب». مصطفى كان يخبر شقيقه عن ملله من الدنيا ورغبته في لقائه في الجنة، قائلاً «بتمنى استشهد قبلك وتكون عمليتي من أقوى العمليات الاستشهادية».
وبعد توقيفه من قبل المديرية العامة للأمن العام، اعترف المدّعى عليه مصطفى الصفدي بتكليفه من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» بجمع معلومات عن مواكب أمنية لشخصيات سياسية تمر في وسط بيروت ومعلومات عن أسماء وزراء ونواب مقيمين في الوسط. وسُجّل في محادثة أخرى له ذكره أن من الذين يسكنون في وسط بيروت: «ابن حكمت الشهابي، ورجل الاعمال الثري حازم القره، وابن رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، ولواء في الأمن القومي السوري من آل تاج الدين، وأشخاص من آل الأتاسي... ومثل هول بدهن حرق».
أما عن بداية تجنيده، فذكر الصفدي أن شقيقه طلب منه في البداية اللحاق به الى سوريا للعيش في المناطق التي يحكمها «داعش»، واعداً بتأمين منزل له «وزوجة صالحة ومالاً وفيراً». وطلب منه التواصل مع الفلسطيني محمد عبد الرحيم، المقيم في سيروب في صيدا، لمساعدته في الانتقال الى سوريا. وأشار الصفدي الى أنه التقى عبد الرحيم عدة مرات، مشيراً إلى أنهما يؤيّدان «أعمال الدولة الاسلامية بذبح المرتدين والكفرة وتنفيذ عمليات استشهادية وانغماسية». وذكر أن الاخير طلب منه تزويده بمعلومات عن أسماء الوزراء والنواب المقيمين في الوسط، وعن مواكبهم الأمنية.
ذكر الصفدي أن شقيقه طلب منه قراءة كتاب «الذئاب المنفردة» عبر الإنترنت، الذي يتضمن دعوة الى عمليات قتل «أعداء الدولة الاسلامية» بالسبل المتاحة (إطلاق نار، تفجير، طعن، دهس، سُمّ). وسجّل الصفدي بصوته أناشيد للتنظيم، مثل «يا نائم الليل» و«الغرباء»، كاشفاً أن الملقّب بـ»فؤاد العراقي» علّمه كيفية تصنيع مواد متفجرة بمواد أوّلية متوافرة أينما كان (سماد زراعي وقهوة وفحم مطحون وزيت سيارات مستعمل). وأقرّ بأن شقيقه حمزة أقنعه بتنفيذ عملية انتحارية، بعدما خيّره بشأن الأهداف المفترض ضربها (مركز للجيش اللبناني أو حسينيات). وأدلى في إفادته بشأن إحدى محادثاته التي ذكر فيها: «نفسي أن تكون عمليتي ضربة مدمرة»، رداً على سؤال عن المكان المحدد بالقول: «أحد مبنيَي الوسط... نور غاردن أو تراس بيروت».
لم يثبت الصفدي على اعترافاته، فقد أنكر أمام قاضي التحقيق إفادته الأولية، مبرّراً إدلاءه بها بأنه جرّاء تعرّضه للضرب، لكن القاضي العسكري اعتبر أن إنكاره ليس له أي مصداقية، لكون اعترافاته مثبتة بمحادثات عبر الواتساب استُخرجت من هاتفه الخلوي. أما شريكه محمود عبد الرحيم، فاعترف بأنه اقتنع بفكرة «الجهاد في سبيل الله ضد الأنظمة الكافرة» بعد مقتل خاله صالح الشايب في العراق. وأشار الى أنه تواصل مع صديقه حمزة الصفدي الذي التحق بتنظيم الدولة الاسلامية بتشجيع من زياد أبو النعاج (هو صهر محمود عبد الرحيم، وشخصية معروفة في مخيم عين الحلوة) وعاتبه على الالتحاق بالتنظيم من دونه. وذكر أنه تواصل مع الفلسطيني بهاء الدين حجير، منسّق عملية تفجير السفارة الإيرانية مع الانتحاري معين أبو ضهر. كذلك ذكر الموقوف أنه أرسل أرقام هواتف أجنبية الى شقيقه إبراهيم عبد الرحيم الموجود في الرقة ليتواصل مع تنظيم الدولة ومسؤوليها في عين الحلوة. وقد تطابق اعترافه مع اعتراف الصفدي بشأن تزويده بأسماء شخصيات سياسية وأمنية في بيت الوسط ومسألة الانتماء العقائدي وتأييد عمليات التنظيم العسكرية. وقد تأيّد مضمون الاعتراف بمضمون محادثات الواتساب بين الموقوفين. وقد ادّعى قاضي التحقيق العسكري على الموقوفين بموجب مواد تصل عقوبتها إلى الإعدام.