تساؤلات كثيرة طرحت في قضاء المنية ــ الضنية ولم تجد أجوبة واضحة عليها بعد، إثر ما تضمّنه قانون الانتخابات الجديد الذي أقرّه مجلس النواب، يوم الجمعة الماضي، من فصله المنطقتين انتخابياً، وتوزيع مقاعد القضاء الثلاثة بين واحد للمنية واثنين للضنية، استناداً إلى التوزيع الديموغرافي وأعداد الناخبين التي ترجّح كفّة الثانية على الأولى.
ومع أن مقاعد القضاء الثلاثة كانت توزع عرفاً وفق المعيار نفسه، فإنه كسر مرتين: الأولى عام 1968 (عندما كان القضاء يضم نائبين فقط) لمصلحة الضنية، والثانية عام 1992 لمصلحة المنية (بعد زيادة عدد النواب إلى ثلاثة). وهناك علامات استفهام كثيرة وُضعت لمعرفة الأسباب التي استدعت فصل المنطقتين في القانون الانتخابي (فُصلت المنية عن الضنية في انتخابات 2000 و2005، لكن كل منطقة ألحقت بدائرة انتخابية مختلفة، أما اليوم فهما في دائرة واحدة)، ومدى دستورية هذا الفصل في قضاء إداري واحد، ولمَ لم يُطبّق هذا الفصل في دوائر انتخابية أخرى تضم قضاءين، مثل دائرة البقاع الغربي ــ راشيا ودائرة مرجعيون ــ حاصبيا، ودائرة بعلبك ــ الهرمل.
هذه التساؤلات انعكست إرباكاً لدى المواطنين في القضاء، الذين، إضافة إلى أنه لم تستوعب الغالبية العظمى منهم تفاصيل القانون، طرحوا سؤالاً أساسياً حول ما إذا كان يمكنهم منح الصوت التفضيلي لمرشحين من المنية والضنية باعتبار المنطقتين لا تزالان قضاءً إدارياً واحداً، أم أنه بعدما قسّم القانون الانتخابي المنطقتين صار الصوت التفضيلي محصوراً في كل منطقة، وهل هذا التقسيم قانوني ودستوري ويمكن الطعن فيه، أم لا؟ كذلك فإن المنية هي المنطقة الوحيدة في لبنان التي يقتصر فيها عدد النواب على نائب واحد، وإن القضاء مقسّم بين ساحل ووسط وجرد، مثل قضاء البترون، فلمَ قسّموا قضاءً وتركوا آخر؟ وأيضاً فإن أيّ قانون يمرّ في مجلس النواب يعني قضاءً ما فإنه يفترض أن يعرف به نوابه، فأين نواب المنية ــ الضنية من هذا القانون؟ هل كانوا على معرفة مسبقة به، أم مرّ من تحتهم على حين غفلة؟
لا جواب بعد عن كل هذه الأسئلة عند معظم الأطراف المعنيين، كذلك فإنه لم يصدر أي تعليق أو موقف منهم في هذا الخصوص، بانتظار أن تتّضح الصورة التي لم يوضحها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، المعني مباشرة بالإشراف على تطبيق القانون الانتخابي العتيد، إذ أكد أنه لم يتدخل في تقسيم القضاء، ولمّا سأل عن الأسباب جاءه الرد أن الأمر «مرتبط بالحفاظ على مقعد المنية، وخشية أن تسفر الانتخابات عن فوز ثلاثة مرشحين من الضنية».
الحرص على مقعد المنية كان قد لمّح إليه الرئيس سعد الحريري يوم حضوره سحوراً في المنية، قبل قرابة أسبوعين، في منزل عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل معتز زريقة، عندما أكد أمام الحضور أن مقعد المنية «محفوظ مهما كان شكل القانون الانتخابي».
غير أن بعض من أسهموا في «طبخ» القانون الانتخابي قالوا إنهم لا يعرفون كيف طرح تقسيم قضاء المنية ــ الضنية، وأسباب ذلك، وأن هذا التقسيم الذي «أصرّ عليه البعض قد مرّ عنوة».
تقسيم القضاء انتخابياً على هذا النحو أربك أغلب القوى السياسية والمرشحين فيه، وأجبرهم على إعادة حساباتهم، وجعلهم يفضّلون عدم التعليق على القانون حالياً؛ ففي المنية سيؤدي ذلك إلى تناحر المرشحين من أجل كسب الصوت التفضيلي لدى الناخبين الذين تناقص عددهم قرابة 8500 ناخب بعد سلخ بلدتي البداوي ووادي النحلة عنها وإلحاقهما بمدينة طرابلس، ما سيجعل عدد مرشحي الأحزاب والعائلات، ومنهم نائب تيار المستقبل كاظم الخير ومنافسوه الأبرز كمال الخير وعثمان علم الدين وسواهما، يصل إلى رقم قياسي.
أما في الضنية فالأمر مختلف نسبياً؛ فتيار المستقبل خسر بفصل المنية عن الضنية كتلة أصوات كبيرة حازها في انتخابات 2009، وهو سيجد نفسه مجبراً على قسمة أصوات ناخبيه في الضنية على مرشحين، هما حالياً النائبان أحمد فتفت وقاسم عبد العزيز، وهي قسمة ستحدث انقساماً داخل القلعة الزرقاء ستسمح للنائب السابق جهاد الصمد، أبرز منافسي التيار الأزرق، بتكبير فرص الفوز، من غير الاستهانة بمرشحين محتملين سوف يدعم ترشيحهم الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق أشرف ريفي، فضلاً عن رئيس المكتب السياسي في الجماعة الإسلامية النائب السابق أسعد هرموش، مستغلين تراجع شعبية تيار المستقبل في الضنية مؤخراً، وتلقّيه العام الماضي هزائم ثقيلة في الانتخابات البلدية وانتخابات اتحاد بلديات الضنية.