تتصرف السلطة الفلسطينية كأن غزة «قطاع متمرد» يجب معاقبته. لا تهتم بحياة مليوني إنسان يعيشون في ٣٦٠ كيلومتراً مربعاً، ولا يعني القيادة الفلسطينية مصير هؤلاء. كأنه لا يكفي أبناء القطاع الحصار الإسرائيلي والمصري، حتى أصبحت السلطة طرفاً ثالثاً في عملية الحصار والموت.
فعل القتل هنا ليس فعلاً مجازياً، بل أصبح واقعاً يعايشه سكان غزة يومياً. ففي اليومين الماضيين، توفّي ثلاثة رضع، هم براء غبن ومصعب بلال العرعير في مجمع الشفاء الطبي وإبراهيم طبيل (٩ أشهر) في مستشفى الرنتيسي، بسبب عدم رد حكومة رام الله على طلبات تحويلهم للعلاج في الخارج.
ومن قرابة الأسبوع، قررت رام الله وقف العمل بالتحويلات الطبية. هذا القرار كان من بين أوراق الضغط التي هددت السلطة باستخدامها ضد حركة «حماس»، وعلى ما يبدو فإنها باشرت تنفيذ تهديدها عقب التسريبات عن عقد لقاءات بين قيادات من «حماس» مع القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان. ومثل غالبية قرارات رام الله، لم يعلن وقف التحويلات رسمياً، وعرف ذلك بعد عدم رد وزارة الصحة على طلبات التحويل الطبي، الأمر الذي يشبه قرار وقف رواتب الأسرى الذي لم يعلن وأصبح مطبقاً بعد عدم تلقي الأسرى المحررين من «صفقة شاليط» مخصصاتهم الشهرية.

ثلاث غارات على
مواقع للمقاومة بعد
إطلاق صاروخ من غزة


في المحصلة، توقفت التحويلات الطبية إلى الخارج، وتوفي ٣ رضع في ٢٤ ساعة نتيجة حصار إسرائيل والسلطة للقطاع. أما في رام الله، فكانوا يتحججون بأن «إسرائيل هي المسؤولة عن عدم استصدار تصاريح»، وهو ما نفاه منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة وقطاع غزة، يوآف مردخاي، الذي قال على صفحته على «فايسبوك»، إن «وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله تؤخر 1500 طلب لأهالي قطاع غزة للدخول إلى إسرائيل لتلقي العلاج». وأضاف: «السلطة قلصت الميزانية المخصصة للعلاج الصحي لأهالي غزة بسبب خلافها المادي مع حماس الإرهابية على تخصيص الأموال من الطرفين في الصدد».
وقارن مردخاي الأزمة الطبية الحالية في غزة بأزمة الكهرباء، معلناً أنه «إذا لم يقم الفلسطينيون بالدفع، فإسرائيل غير ملزمة بالدفع عنهم»، مطالباً بأن تكون «كل شكوى مادية… موجهة إلى السلطة الفلسطينية ووزارة المالية الفلسطينية وحماس الإرهابية، فهذه الجهات غير معنية باستثمار الأموال من أجل أهالي القطاع، وتفضل الاقتتال مع بعضها على حساب صحتهم». بالطبع، لا يمكن رفع المسؤولية عن إسرائيل، ولكن في هذه الأزمة المسؤولية الأساسية تقع على السلطة التي قررت خفض المخصصات الطبية لقطاعي الصحة والكهرباء. وبالنسبة إلى بعض الوزراء في السلطة، «الآتي أعظم، وإذا أرادت حماس الحكم فلتحكم».
في غضون ذلك، حذّر وكيل وزارة الصحة في غزة، يوسف أبو الريش، من ارتفاع عدد الوفيات في صفوف المرضى، إثر منعهم من السفر لتلقي العلاج، ولا سيّما أن «الأدوية لدى الوزارة قد نفدت»، مشيراً إلى أن «عدد المرضى المتوفين وصل خلال الأشهر القليلة الماضية إلى 11». واتهم أبو الريش، السلطة بـ«(اتخاذ) أداء دور مكمّل لإسرائيل والحصار الذي تفرضه على غزة، من خلال عرقلة سفر المرضى الفلسطينيين إلى الخارج»، لافتاً إلى أنها رفضت خلال الشهر الماضي 1622 تحويلة علاجية لمرضى غزة.
في ظل هذا الواقع الصحيّ الغزّي المأسوي، سمحت إسرائيل بنقل قطة من القطاع إلى الداخل المحتل لإجراء عملية بعد تعرضها لكسر في الفك. وقال رئيس «لجنة التنسيق الزراعي» في غزة طلعت التلولي، إن «طبيبة أوكرانية تقيم في غزة تقدمت بطلب لجمعية الرفق بالحيوان في إسرائيل لعلاج قطتها بسبب تعرضها لكسر في الفك»، مضيفاً: «بعدما تواصلت الجمعية مع وزارة الزراعة، قمنا بتحويل القطة بعد انتهاء إجراء التنسيق لها عبر حاجز بيت حانون ــ إيريز... الذي استغرق ثلاثة أيام فقط»، مشيراً إلى أن القطة نُقلَت عبر سيارة إسعاف خاصة.
إلى ذلك، شنّ سلاح جو العدو الإسرائيلي أول من أمس ثلاث غارات على مواقع تابعة للمقاومة الفلسطينية، بعد إطلاق صاروخ من قطاع غزة. وقال المتحدث باسم جيش العدو أفيخاي أدرعي، إن الغارات أتت «ردّاً على إطلاق قذيفة صاروخية باتجاه أراضي المجلس الإقليمي شاعار هانيغيف».