من خلال 13 مقعداً برلمانياً فقط، استطاع حزبا «شاس» (حراس التوراة السفرديم)، و«يهودات هتوراة» (يهودية التوراة) تهديد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأزمة ائتلافية في حكومته، إذا ما قرر الأخير المضي قُدماً في «مخطط الحائط الغربي». هكذا استطاع وزير الداخلية أريه درعي، ووزير الصحة يعكوف ليتسمان، انتزاع انتصار لتيارهم المتشدد من بين إيدي «الزملاء» في الحكومة الإسرائيلية.
كان ذلك مطلع الأسبوع الحالي، حين خرج ليتسمان مخاطباً بـ«شماتة» كل الفرق اليهودية غير الأرثوذكسية في العالم، قائلاً: إن «قرار الحكومة تجميد اتفاق الحائط الغربي يبعث برسالة واضحة إلى العالم بأكلمه، مفادها أنه لا يوجد، ولن يكون هناك للتيار الإصلاحي وصول أو اعتراف بالحائط الغربي».
لكن أزمة «الحائط الغربي» ليست وليدة اللحظة، بل عمرها عقود من النزاعات بين الفرق اليهودية المختلفة، وفي مقدمتها التيار الأرثوذكسي المهيمن دينياً في إسرائيل، والتيار الإصلاحي الذي تتبعه غالبية يهود العالم، وعلى رأسه اليهود الأميركيين.
فبعدما جرى التوصل إلى اتفاق «مخطط الحائط الغربي» عام 2016، الذي بموجبه يُبنى جناح صلاة تعددية دائم ورسمي في الحائط الغربي (خلافاً للمنطقة المؤقتة في الوقت الحالي)، قررت الحكومة الإسرائيلية أخيراً، عدم التصديق عليه (على المخطط)، وبالتالي سيظل الوضع القائم في باحات الحائط، يقضي بمنع النساء أن يمارسن في الجزء المعدّ لهن طقوساً دينية يهودية معنية، تُعَدّ خاصة بالرجال من وجهة نظر التيار الأرثوذكسي المتشدد.

«إيباك» لمسؤولين إسرائيليين: القرارات التي اتخذتموها تمثل كارثة استراتيجية

وعلى ما يبدو، فإن أزمة الحائط الغربي لم تنحصر في حدود البيت الداخلي الإسرائيلي، بل وصل الحد بالجالية اليهودية في أميركا إلى أن تصف ما حدث بأنه «جريمة تدفيع الثمن»، مشيرةً إلى أن عدم التصديق على المخطط هو «إسهام من قبل الحكومة الاسرائيلية في تعميق الشرخ بين إسرائيل ويهود العالم». كذلك نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر في الجالية قولها إنها «تدرس إمكانية تقديم الالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية للطعن في القرار».
أمّا رئيس الحركة الإصلاحية في أميركا، الحاخام ريتشارد جاكوبس، الذي وصل أمس إلى تل أبيب في زيارة طارئة للقاء نتنياهو، فرأى أن القرار الذي اتخذته الحكومة «يشكّل صفعة على وجه كلّ من التيارين اليهوديين المتدينين الكبيرين في الولايات المتحدة».
قرار نتنياهو وضعه إذاً بين مطرقة حزبي «شاس» و«يهودات هتوراة» من جهة، وسندان أوساط يهودية مؤثرة في واشنطن وجميع أنحاء العالم، من جهة أخرى. إذ حذّرت الأخيرة «من أن عدم التصديق على المخطط سيؤثر سلباً بالعلاقات مع إسرائيل، وأن من شأنه المساس بالتبرعات السنوية للجالية اليهودية بأميركا (التي تقدر بنحو مليار دولار تحول سنوياً لتل أبيب)». قبل أن تهدّد أيضاً «برفع يدها عن حملات حركة المقاطعة العالمية (BDS)، وأنها لن تتدخل لمنع توسع الأخيرة في جميع أنحاء العالم».
أمّا التطور اللافت، فتمثل بوصول بعثة من منظمة «إيباك» فجر أمس، إلى تل أبيب، حيث عقدت اجتماعاً طارئاً مع القيادات الإسرائيلية، بحضور رئيس المنظمة، ليليان بينكوس، ونائب المدير التنفيذي ريتشارد فيشمان، ومسؤولين آخرين. وعلى المستوى الإسرائيلي، شارك كل من نتنياهو، ودرعي، ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان، ووزيرة القضاء إيليت شاكيد ووزير التربية، نفتالي بينت.
وفي السياق، لفتت صحيفة «معاريف»، إلى أن قادة «إيباك» أوصلوا رسالة «مرعبة» للمسؤولين الإسرائيليين، مفادها أنه «إن كنتم تعتقدون أن الموضوع هو مسألة إصلاحيين أو محافظين، فأنتم مخطئون». وأوضحوا أن «القرارات التي اتخذتموها هي بمثابة كارثة استراتيجية، من شأنها أن تقوّض التحالف بين يهود الولايات المتحدة وإسرائيل. ونوضح، ليس الخطر على العلاقات مع الإصلاحيين، بل على صفقة طائرات الـ(إف 35)».
كذلك نقلت عن مسؤولي «إيباك» في الولايات المتحدة قولهم إن «الناس (في أوساط الجالية اليهودية في أميركا) يقولون إنهم لم يعودوا يشعروا بإرادة العمل من أجل إسرائيل، ومستوى تماهيهم (لناحية الهوية) مع الدولة اليهودية أصيب في الصميم».
وفي هذا الإطار، عبّر مسؤولون إسرائيليون رسميون، لهم علاقات وطيدة مع المنظمة، عن خشيتهم من تأثير القرار الإسرائيلي بشأن «الحائط الغربي» على الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من خلالهم في الكونغرس. إذ صرّح مسؤولون في المنظمة أن «جزءاً من دعم الكابيتول لإسرائيل ينبع من فكرة أن الأخيرة ديمقراطية، وتحفظ الأمن، وحرية وحقوق مواطنيها. لكن قرار المجلس الوزاري المصغّر بشأن الحائط، يبعث برسالة أخرى».




ليس «الأزمة» الوحيدة!

برغم أهمية اتفاق «مخطط الحائط الغربي» وتقسيماته بالنسبة إلى كلا التيارين، لكنه ليس «الأزمة» الوحيدة القائمة حالياً بين الحكومة الإسرائيلية والجالية اليهودية في أميركا. فتأجيل البت بالمخطط حتى إشعار آخر، ترافق أيضاً مع قرار ثانٍ ليس أقل شأناً، وهو تصديق الحكومة على مشروع قانون «اعتناق الديانة اليهودية».
بموجب مشروع القانون، الذي لا يزال في مراحله الأولى، «يُعترف باعتناق اليهودية في مراسم تشرف عليها الحاخامية الكُبرى في إسرائيل، والتابعة للتيار الأرثوذكسي». في المقابل، إن أي «اعتناق لليهودية في إسرائيل أو خارجها، ويجري بمراسم اعتناق اليهودية الخاصة باليهود الإصلاحيين والمحافظين، لن يُعترف به في إسرائيل ولن يعترف به التيار الأرثوذكسي في إسرائيل والعالم، الذي يعمل بموجب توجيهات الحاخامية الرئيسية الكبرى».
كذلك لا يعترف مشروع القانون بتغيير الديانة الذي تجريه منظمة «تسوهار» القومية المتدينة، وهو ما يفسر معارضة وزير الأمن، ليبرمان له. إذ يمثل الأخير عدداً كبيراً من مهاجري الاتحاد السوفياتي سابقاً إلى إسرائيل، لكن بموجب صيغة القانون المقترحة «سيُثنون عن تحويل ديانتهم»، كما قال ليبرمان.
وتعليقاً على القرارين، ذكّرت صحيفة «هآرتس» بما قاله نتنياهو يوم الاثنين الماضي، أمام ممثلين عن «اتحاد الجاليات اليهودية في أميركا الشمالية»، كان قد التقاهم في مكتبه في القدس المحتلة، حيث ادعى أنه «لو كان هناك أي رئيس حكومة آخر لكان سينصاع لضغوطات الأحزاب الحريدية».