لم يكن ينقص الحاملين على الجيش اللبناني سوى إعلان وفاة أربعة سوريين بين الذين أُوقفوا خلال عملية «قضّ المضاجع» التي نفذها الجيش في عرسال الأسبوع الماضي. فمنذ ظهر يوم الجمعة، لم تهدأ حملات التحريض والتهجّم على المؤسسة العسكرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من «إعلاميين» لبنانيين ومعارضين سوريين، ومن وسائل إعلام عربية سبق أن سوّقت طوال السنوات الماضية للمجموعات الإرهابية المسلّحة.
وأتى بيان الجيش عن وفاة الموقوفين الأربعة، أمس، ليُفاقم الحملة على المؤسسة العسكرية واتهامها بقتل الموقوفين تحت التعذيب، في مقابل حملة تعاطف «عمياء» مع الجيش، تختلط فيها الوطنية اللبنانية بالحقد العنصري ضد النازحين السوريين.
وفي ظلّ الحملات على الجيش والدور الوطني الذي يقوم به في مواجهة الإرهاب وأطماع العدوّ الإسرائيلي والحفاظ على وحدة اللبنانيين وأمنهم، كما في ظل تجذّر الخلاف في وجهات النظر بين القوى السياسية اللبنانية حول التعاطي مع ملف النازحين، وجب توضيح بعض المسائل وطرح بعض الأسئلة، حماية للمؤسسة العسكرية ودورها بوصفها الحصن الوطني الأخير.

البيان المقتضب
للجيش حول وفاة أربعة موقوفين لـ«أسباب صحيّة» غير كافٍ


أوّلاً، ما قام به الجيش في عرسال قبل أيام كان بناءً على معلومات أمنية عن قيام مجموعات إرهابية بإعداد عبوات وأحزمة ناسفة في مخيّمي «النَوَرَ» و«القَارِيِّة» في جرود عرسال. وهو ما بيّن مجرى الأحداث صحّته، إذ فجّر أربعة انتحاريين أنفسهم بعناصر الجيش، ما أدى إلى إصابة حوالى 20 عسكريّاً، إضافة إلى اكتشاف مواد وصواعق تستخدم في صناعة المتفجّرات، فيما يبدو كان مخطّطاً لاستهداف الداخل اللبناني.
ثانياً، من الطبيعي أن يقوم الجيش (أي جيش) لدى تعرّضه للاعتداء بإجراءات أمنية وحملة توقيفات لكشف المتورّطين، خصوصاً أن عناصره تعرضوا أيضاً لرمي قنابل وإطلاق الرصاص.
ثالثاً، وجود المخيّمات خارج نطاق سيطرة القوى الأمنية اللبنانية، يضع الجيش أمام تحدّي العمل في بيئة لا يملك كامل معطياتها، وهو ما يدفع العناصر العسكريين إلى القيام بحملات توقيف عشوائية بسرعة قياسية، لتخفيف الخسائر وضبط الأفراد المشتبه فيهم، بما يضع بعض الأبرياء في سويّة المتورّطين، إلى حين جلاء الحقيقة بعد التحقيق مع الموقوفين، فضلاً عن أن الجيش كان مضطراً إلى القيام بمسح بشري للموجودين في المخيّمين، بسبب تواري بعض المطلوبين من معارك عرسال عام 2014 في مخيّمات النازحين.
إلّا أن حقّ الجيش في الدفاع عن عناصره وواجبه في حماية اللبنانيين والمقيمين على أرضه من أيّ جنسية كانوا، يحتّمان على المؤسسة العسكرية مسؤوليات كبيرة أيضاً تتناسب مع النموذج الأخلاقي الذي يعتدّ به الجيش. ومن هنا، لا بدّ من السؤال عن صحّة الصور التي تمّ تسريبها، وتظهر بعض الانتهاكات خلال عمليات الاعتقال الأخيرة، والتأكّد ممّا إذا كانت فعلاً من عرسال أو من أماكن أخرى خارج لبنان جرى استخدامها للتحريض ضد المؤسسة العسكرية. وإذا كانت الظروف الأمنية قد حتّمت اعتقال أعدادٍ كبيرة من النازحين، يبقى من الواجب السؤال عن كيفية تسريب صور المعتقلين ملقين على الأرض، ومن المسؤول عن تسريبها بما قدّم مادة للمعادين للجيش والنافخين في نار الفتنة بينه وبين النازحين، علماً بأن بعض أصحاب «الرؤوس الحامية» من اللبنانيين بات يجاهر باستخدام الصور، بما يرفع من منسوب العصبية والتحريض، وتحويل الأمر إلى صراع لبناني ــ سوري أو عداوة بين الجيش والنازحين، فيما الحقيقة هي الصراع بين الإرهاب من جهة والجيش اللبناني واللبنانيين والنازحين السوريين من جهة ثانية. ومجريات الأحداث أثبتت وجود إرهابيين لبنانيين وإرهابيين سوريين ومن جنسيات أخرى، وأن الأمر ليس حكراً على فئة أو طائفة أو جنسية أو منطقة.
وقد بدا البيان المقتضب للجيش أمس حول وفاة أربعة موقوفين، لـ«أسباب صحيّة»، غير كافٍ للإجابة عن الأسئلة حول أسباب الوفاة، على الأقّل بما يدحض نظريات المغرضين الذين يريدون اتهام الجيش بقتلهم تحت التعذيب أو أثناء المداهمات. من هنا، وجب إجراء تحقيق علمي وشفّاف وعرض نتائجه على الرأي العام، حتى لا تُحمّل المؤسسة العسكرية ما ليس من صفاتها، في حال كانت أسباب الوفاة الصحية حقيقية، أو لتتمّ محاسبة المسؤولين في حال تبيّن وجود انتهاكات أثناء التحقيقات أو تعذيب أدّى إلى الوفاة، إذ حال توقيف أي مشتبه فيه، يصبح خاضعاً لشروط العناية الصحيّة، وحياته وسلامته من مسؤولية الجهة الأمنية التي توقفه بإشراف القضاء المختصّ، بغية التحقيق معه وتقديمه إلى العدالة في حال ثبت تورّطه في أيّ من الجرائم.
من جهة أخرى، استمرت أمس المواقف المتناقضة حول الحلول المتوافرة لحل أزمة النازحين، لا سيّما أن تيار المستقبل، وعبر وزرائه ونوّابه، يزيد من تعنّته برفض التفاوض الرسمي مع الحكومة السورية لحلّ أزمة النازحين بحجّة رفض «إعطاء الشرعية للنظام السوري»، مدعوماً من حزب القوات اللبنانية، فيما يتمسّك التيار الوطني الحرّ وحزب الله وحركة أمل بضرورة التفاوض مع الحكومة السورية «المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والتي نتبادل معها التمثيل الدبلوماسي»، كما قال وزير العدل سليم جريصاتي أمس.