ما كان حاضراً على مستوى التحليل، حول «تغيُّر» ما في الموقف الإسرائيلي من قوة اليونيفيل ومحاولة أسرَلتها بالكامل، بات مكشوفاً ومتداولاً أكثر لدى الإعلام العبري، كما احتل مكانته أيضاً، لدى المراكز البحثية الإسرائيلية. فإلى أين وجه تل أبيب وإمكاناتها الفعلية؟
استعرض مركز أبحاث الأمن القومي في تل ابيب، في نشرَته الدورية «مباط عال»، ما سمّاه «تغيير موقف» إسرائيل من اليونيفيل، المعبَّر عنه على لسان كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين في الأسابيع الماضية، والذي يتضمن انتقادات حادة لأداء القوة الدولية وامتناعها عن مواجهة حزب الله في لبنان. وأشار المركز إلى أن «احتمال تغيير القرار 1701، أو تغيير في تفويض قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، أو أسلوب وطريقة عملها على المدى المنظور، هو احتمال ضئيل»، لافتاً إلى ضرورة أن تعمل إسرائيل ضمن خطة متكاملة ومتوازنة وواقعية تجاه اليونيفيل.
يكشف المركز، للمرة الأولى، أن زيارة المندوبة الأميركية نيكي هايلي لإسرائيل، الشهر الماضي، تخللها نقاش خاص مع المسؤولين الإسرائيليين، حول إمكانية تمرير قرار جديد يصدر عن مجلس الأمن الدولي، ينص على إبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل، وكذلك توسيع مهمة قوة الأمم المتحدة فى لبنان، لتنفيذ القرار 1701، الذي يُعَدّ أساساً لتشكيل القوة عام 2006.

من الـ«بدائل» الإسرائيلية لمسألة اليونيفيل إنهاء وجودها في لبنان!


ينقل المركز عن مصادر عسكرية جملة من الانتقادات للقوة الدولية، أوردها بالتتالي: «تساعد اليونيفيل حزب الله؛ القوة الدولية تضر أكثر مما تنفع؛ اليونيفيل تنفذ تماماً ما يقوله لها حزب الله؛ لا تجرؤ القوة على رفع رأسها والقيام بواجباتها؛ وآن الأوان لرحيل القوة عن الميدان...».
يبدو، كما يقدّر المركز، أن هذه المواقف التي تعكس وجهة نظر المؤسسة الأمنية، وكذلك الحكومة الإسرائيلية، والتي خرجت إلى العلن في بيانات وتصريحات في أكثر من مناسبة، تشهد على تغيّر في المقاربة الإسرائيلية تجاه اليونيفيل، قياساً بالموقف الثابت منها، في العقد الأخير. لكن إلى أين يمكن أن يوصل هذا التغيير؟
للإجابة عن ذلك، يعرض المركز ما يراه «الخلل الأساسي» في مهمة القوة الدولية وتفويضها، والذي ارتبط تحديداً بتفسير التفويض على أنه مقتصر على مساعدة الحكومة اللبنانية، أي الجيش اللبناني، على ممارسة سيادته في جنوب لبنان، بمعنى أن اليونيفيل لا تبادر إلى اتخاذ إجراءات مستقلة. وهذه الفجوة بين أهداف القرار 1701 وأداء القوة الدولية، ليست جديدة، وهي متواصلة منذ إعادة تأسيس القوة عام 2006.
سياسة إسرائيل تجاه لبنان، تتلخص ــ كما يرد في تقرير المركز ــ في خمس نقاط أساسية: منع الهجمات على إسرائيل، تأجيل المواجهة المقبلة، تقليص ــ ما أمكن ــ تعاظم قدرات حزب الله وسلاحه، الحفاظ على علاقات جيدة مع المجتمع الدولي، وخلق شرعية لإسرائيل للمبادرة (العسكرية) عند الحاجة.
بناءً على هذه الأهداف الخمسة، لدى إسرائيل خمسة «بدائل» رئيسية للعمل: (أ) تعزيز آلية تنفيذ القرار 1701 بنحو أفعل مع تعزيز تفويضها؛ (ب) الإبقاء على الوضع الحالي دون تغيير؛ (ج) خفض حجم قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان؛ (د) إزالة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، مع المحافظة على مقر البعثة ومكاتب التنسيق التابعة لها؛ (هـ) إنهاء مهمة اليونيفيل ووجودها في لبنان.
واضح أن البديل الأول متعذر ومشكوك في إمكاناته، ذلك أن الظروف السياسية لن تسمح بتغيير تفويض قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، والبلدان المساهمة في القوة لن تميل إلى تحمّل مخاطر متزايدة. إلا أن الولايات المتحدة التي تُسهم بـ30 في المئة من ميزانية الأمم المتحدة لقوات حفظ السلام البالغة 8 مليارات دولار، وأسهمت بالفعل بمبلغ 515 مليون دولار لقوة اليونيفيل، تنوي خفض مساهمتها بأكثر من 100 مليون دولار. وهذا العامل، بدعم من الإدارة الأميركية الحالية، من شأنه أن يخلق سياقاً أكثر ملاءمة لمناقشة مطالب إسرائيل من اليونيفيل والأمم المتحدة.
ويتضح من تصريحات كبار ضباط الجيش الإسرائيلي معارضتهم للبديل الثاني (الإبقاء على الوضع كما هو بلا تغيير)، ولكن من الصعب أن نستنتج من مواقفهم إن كان هدفهم هو «تحسين» (من منظار إسرائيلي) أداء قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، أو تعديل مهماتها أو أسلوب أداء المهمة، أو حتى إنهاءها، أو خليطاً من هذا وذاك.
وعند تحليل البدائل، من الضروري، بحسب مركز أبحاث الأمن القومي، تقويم تأثير كل بديل بناءً على الآتي من الأسئلة:
ما انعكاس أي بديل على حرية عمل حزب الله في جنوب لبنان؟ ما انعكاس ذلك على علاقات حزب الله والجيش اللبناني؟ ما تأثير ذلك في «شرعية الأعمال الإسرائيلية المستقبلية» في أي مواجهة مقبلة؟ وماذا عن علاقات إسرائيل بالدول المشاركة في اليونيفيل ونسبة القوات الغربية المشاركة فيها؟ وماذا عن حرية عمل الجيش الإسرائيلي في الحالات الروتينية والطوارئ (في حال تغيير مهمة اليونيفيل أو تقليصها أو إنهائها)؟ والأهم من كل ذلك هو الآتي: هل يمكن أن ينظر إلى أي تغيير تبدأه إسرائيل (تجاه اليونيفيل) على أنه عمل عمدي في سياق تصعيد مقبل من قِبلها؟ وهو الأمر الذي يشدد المركز على أنه يقرّب المواجهة المقبلة ولا يبعدها.
يؤكد المركز في خلاصة هذه المقاربة، أن قوة اليونيفيل نجحت منذ عام 2006 في أداء مهمتها المتمثلة في تقليص الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي ولبنان من طريق آلية تنسيق واتصال، أسهمت في الحفاظ على الهدوء ومنع التصعيد غير المقصود. لكن في الوقت نفسه، امتنعت اليونيفيل باستمرار عن التعامل مع أهم «خرق صارخ» للقرار 1701، وهو تعزيز قدرات حزب الله العسكرية وأنشطته المستمرة في منطقة المسؤولية التابعة للأمم المتحدة في لبنان.
مع ذلك، احتمال حدوث تغيير في القرار 1701، أو تغيير في تفويض اليونيفيل أو طريقة عملها في المستقبل المنظور، هو احتمال ضئيل. بناءً على ذلك، من المناسب ــ حسب ما يشدد المركز ــ وضع سياسة متكاملة ومتوازنة واقعية من قبل إسرائيل، تكون مفيدة أكثر من مجرد تصريحات تصدر عنها في وسائل الإعلام.
وحتى إذا قررت إسرائيل السعي إلى خفض قوات اليونيفيل في لبنان، وتكييف حجمها مع طبيعة نشاطها القائم حالياً، فمن المهم إطلاق مواقف تعبِّر عن مهنية وموضوعية من خلال القنوات المناسبة مع مقر الأمم المتحدة والدول الصديقة المساهمة بقوات في اليونيفيل، وكذلك التنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة... ومن المشكوك فيه، يخلص المركز، ما إذا كانت البيانات العامة الحرجة للغاية، التي أدلى بها كبار ضباط الجيش الإسرائيلي ضد اليونيفيل في هذا السياق، تعزز أهداف إسرائيل على الجبهة الشمالية، أو تجاه شركائها في المسرح الدولي.