في جدول اعمال الزيارة العسكرية المحض، اجتماع قائد الجيش العماد جوزف عون في واشنطن بقيادة المنطقة الوسطى المعنية بشؤون الشرق الاوسط، كما مع قادة اسلحتها، الى تفقده عدداً من القواعد العسكرية ومشاغل طائرات سوبر توكانو، ناهيك بموعد محتمل مع وزير الدفاع الاميركي. وخلافاً لزيارة 29 نيسان المنصرم، تخلو الزيارة الثانية من لقاءات سياسية، الا انها تمثل، بعد اقل من ثلاثة اشهر على سابقتها، دفعاً اميركياً اضافياً للبنان بغية مساعدته ومدّه بالسلاح والعتاد في مواجهته الارهاب، في ضوء ما نُسب الى قائد المنطقة الوسطى في الجيش الاميركي الجنرال جوزف فوتيل انه لم يعد يرى بلداً في الشرق الاوسط يسعه الذهاب اليه سوى لبنان.
تبعاً للمطلعين على موقف قائد الجيش، فإن المعطيات الميدانية عن احتمال عمل عسكري كبير في الجرود الشرقية ضد مسلحي «داعش» و«النصرة» في الجانب السوري منها، وكثافة قصف الطيران السوري على نحو غير مألوف، تشي بقرب حصولها. المعلومات المتوافرة لدى الجيش ان ثمة حشوداً من شأنها التمهيد للعمل العسكري، ناهيك بالموقف الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وكلامه عن انذار اخير ما لم تُجر تسويات سريعة، يعزز فكرة تعاون ما بين الجيش السوري وحزب الله. ما يحول دون العمل العسكري هو موافقة المسلحين المتمركزين في الجرود على تسوية بالانسحاب، وخصوصاً موقف ابومالك التلي بالرضوخ لهذا الحل او تصفيته. ما خلا ذلك الآمال قليلة بمخرج آخر.
اي موقف للجيش من هذا التطور؟
بحسب المطلعين على موقف عون، «لا ينتظر الجيش القرار السياسي من السلطات الرسمية، وفي معظم اعمال الدهم ومواجهة التنظيمات الارهابية في جرود عرسال لم ينتظر مرة القرار السياسي، متى كان عليه مواجهة الارهاب من اي جهة اتى.

قائد الجيش: مهماتنا
لا تنتظر القرار السياسي من السلطات الرسمية


توقيت هجمات الجيش لا يخضع للتعليمات والقرار السياسي، بل لمسرح الاحداث والظروف، وهو بنى كل تحركاته الاخيرة طبقاً لهذه القاعدة. في احسن الاحوال يكون رئيس الجمهورية، في الغالب، على علم مسبق بعملية يتأهب الجيش لتنفيذها، ثم يحاط لاحقاً علماً بنتائجها».
ما يُفصح عنه عون ان الجيش يتفادى مواجهة الارهابيين المتمركزين في الجرود المقابلة لعرسال بسبب اتخاذهم من مخيمات يقيم فيها 11 الف نازح سوري دروعاً بشرية. هذا الموقف حمله الى رئيسي الجمهورية والحكومة، واخطرهما ان اي هجوم للجيش على المسلحين الارهابيين سيعرّض هؤلاء النازحين ــ وجلّهم مدنيون الا ان بينهم عائلات المسلحين ــ لخطر استهدافهم المباشر، وهو ما يتوخى تجنبه. من دون قرار سياسي تتحمّله السلطات السياسية على هذا المستوى، «لن يجازف الجيش بالتعرّض للمخيمات. وهي نقطة الضعف الوحيدة التي يجبهها. لا خطوط حمراء في وجهه من اي اتجاه اتى».
في اجتماعه به الاثنين الفائت، بعد الالتباس الذي احاط بموقفه من المؤسسة العسكرية بعد الاعلان عن وفاة اربعة موقوفين سوريين ورفضه التفاوض مع الحكومة السورية، ابلغ الرئيس سعد الحريري الى قائد الجيش دعمه الكامل لكل ما يقرره في الدفاع عن مراكزه ومواجهة الارهاب. بدوره رئيس مجلس النواب نبيه بري ردد في الساعات القليلة المنصرمة امام زواره، وهو يؤكد توقعه عملاً عسكرياً في الجرود، ان الجيش «لا يستأذن» احداً لاتخاذ قراره في المواجهة.
ذلك ما يحمل الجيش على الطلب من المسؤولين العمل على تسهيل عودة النازحين السوريين الى بلادهم، كي يتسنى شق طريقه الى ضرب المسلحين الارهابيين تبعاً للقرار الذي تتخذه السلطات الرسمية. يتصرّف الجيش على انه غير معني بكل الجدل الدائر من حول التفاوض مع الحكومة السورية او عدمه، ولا يتعدى تواصله مع الجيش السوري التنسيق الذي يجنب المراكز اللبنانية التصويب الخاطىء، ويرى ان افضل السبل الى انهاء سيطرة مئتي مسلح ارهابي في الجانب اللبناني من الحدود الشرقية هو سحب المخيمات من ملعب الاشتباك. الاربعاء الفائت امكن الجيش مساعدة 200 نازح سوري على العودة الى بلادهم بعد تجربة رجوع اكثر من فوج قبلهم بغية ازالة ذريعة أمن المخيمات وسلامتها.
ووفق المطلعين على موقفه، لا يستبعد قائد الجيش محاولة المسلحين الارهابيين الاندفاع في اتجاه عرسال «الا انهم يصبحون عندئذ في مرمى الجيش». في المقابل فإن المكان الذي قد يطلق منه حزب الله حملته العسكرية بعيد من اي اتصال قريب مع الجيش، وهو بطبيعة الحال ينطلق من داخل الاراضي السورية بالتعاون مع الجيش السوري. لا تنسيق بين الجيش والحزب. لا يقرأآن معاً الخرائط العسكرية، ولا يضعانها ولا ينسقان، رغم التواصل المفتوح للجيش مع الافرقاء جميعاً بلا استثناء.
لكل من الجيش وحزب الله اهداف مختلفة من المواجهة مع التنظيمات الارهابية والمعركة العسكرية الوشيكة. يدافع الجيش عن مراكزه ويمنع الارهابيين من الاقتراب من عرسال، في حين يرمي حزب الله الى ما ابعد من ذلك بكثير بانخراطه مع الجيش السوري في معركة استعادة النظام سيطرته على تلك البلاد. ومقدار ما تبدو مهمة حزب الله اقليمية، يقارب الجيش مهمته على انها لبنانية الهدف والاستثمار والنتيجة، بيد انها «ليست في معزل عن التفاهم الاميركي ــ الروسي على تصفية تنظيم داعش الى الابد وتنظيف المنطقة منه، بدءاً بإنهاء وجوده في العراق وآخر المعارك الموصل مروراً بسوريا بعد حلب والرقة وعلى ابواب دير الزور، اذذاك لا يبقى لهذا الارهاب مركز تجمّع سوى في الجرود الشرقية السورية واللبنانية».