مع أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يصرّ على أن أي تحقيق جنائي لن ينال منه، فإن سعي الشرطة لتحويل متهمين مقربين منه إلى «شهود ملك» (رئيسيين)، بهدف انتزاع معلومات محددة عن حجم دوره في الصفقات المشبوهة، ولو بثمن تبرئتهم، يعكس شكوكاً قوية لدى أجهزة الشرطة في تورطه، وهو ما قد يترك تداعيات سياسية واسعة على الحكومة والمشهد السياسي في إسرائيل، ولو بعد حين.
ودفعت مساعي الشرطة لتحويل مدير مكتب نتنياهو السابق، آري هارو، كـ«شاهد ملك»، وزيرة القضاء إييليت شاكيد، إلى القول إن رئيس الحكومة ليس ملزماً بالاستقالة من منصبه في حال تقديم لائحة اتهام ضده، وهو ما يشير الى إدراكها أن مصير نتنياهو بات في دائرة الخطر.
ويأتي هذا الموقف على خلفية أن القضية المتهم فيها هارو دوره في مسعى نتنياهو رشوة ناشر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، المعروفة بـ«القضية 2000»، مع الإشارة إلى أن تحوّله إلى «شاهد ملك» مشروط بتقديمه كل ما يملك من معلومات مقابل صفقة تجنبه العقوبة أو تخففها.
مع ذلك، حاولت شاكيد استدراك موقفها بخصوص عدم وجوب استقالة نتنياهو، بالدعوة إلى الانتظار لمعرفة ما سيجري وماذا سيكون مضمون لائحة الاتهام الموجهة إليه، ودراسة تفاصيل هذا الاتهام، مشددة على أن «الأفعال الخطيرة فقط هي التي يمكن أن تشكل مبرراً لاستقالة الحكومة». وحاولت شاكيد تبرير موقفها بالقول إن «التوجه إلى انتخابات ليس أمراً بسيطاً».
أهمية هذا المستجد في الاتهامات، التي تحوم حول رئيس حكومة العدو، أن مدير مكتبه، هارو، هو من سجل المحادثات بين نتنياهو وناشر «يديعوت»، أرنون موزيس، ما يعني أنه مطلع على الكثير من التفاصيل التي تدين نتنياهو، وتدينه. لذلك، تحاول الشرطة تقديم ضمانات له مقابل البوح بما يعرفه.
ويأتي الحديث عن استقالة الحكومة استناداً إلى قانون أساس الحكومة الذي ينص على أن استقالة رئيس الحكومة تؤدي إلى حل الحكومة، وهو ما سيفضي إلى إطلاق مشاورات نيابية يجريها رئيس الدولة لاختيار عضو كنيست جديد لتشكيل حكومة جديدة. وفي حال فشل المحاولة، تجرى انتخابات مبكرة.
لكن القانون الإسرائيلي ينص على أنه في حال تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة، فهو ليس ملزماً بالاستقالة تلقائياً. لكن في كل الأحوال، الضغوط التي يمكن أن تترتب على ذلك قد تؤدي إلى إطلاق مسار سياسي ضاغط في الكنيست و/أو الحكومة، ما سيدفعه إلى الاستقالة، وهو ما حدث مع رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت، الذي استقال في أعقاب توصية الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضده، الأمر الذي أطلق مروحة من الضغوط دفعته مكرهاً إلى تقديم استقالته.
بعد ذلك، أخفقت محاولة الوزيرة تسيبي ليفني حينذاك في تشكيل حكومة بديلة، بعد تكليفها من رئيس الدولة في أعقاب المشاورات النيابية، الأمر الذي أدى إلى إجراء انتخابات مبكرة عام 2009، وبالتالي وصول نتنياهو الى رئاسة الحكومة، إذ لا يزال يشغل المنصب منذ ذلك الحين. ومع ذلك، لا تزال بعض التقديرات تتحدث عن أن تقديم لائحة اتهام ضده قد يستغرق بعض الوقت.
ومن الواضح أن الشرطة تحاول استغلال سعي مسؤولين مقربين من نتنياهو للنجاة بأنفسهم وبعد الشبهات في تورطهم في أعمال جنائية، ما قد يؤدي إلى تعرضهم لعقوبة السجن الفعلي. فبعد تحوّل رجل الأعمال ميكي غانور إلى «شاهد ملك» في قضية الغواصات، أتى الآن دور مدير مكتب نتنياهو السابق في قضية أخرى تدور فيها شبهات حول الأخير.
وكانت الشرطة، وتحديداً «الوحدة القطرية للتحقيق في الاحتيال»، قد اعتقلت هارو في أواخر 2015، بشبهة مواصلة تفعيل شركة خاصة سراً وعن طريق الاحتيال، وذلك أثناء عمله رئيساً لموظفي مكتب رئيس الحكومة، الذي عيّن فيه عام 2014. وفي الصيف الماضي، ومع بدء تحقيق الشرطة بشأن رئيس الحكومة، واجه محققو الشرطة هارو بمعلومات تم جمعها، وأشارت، على ما يبدو، إلى علاقة جنائية بينه وبين رئيس الحكومة.