لا توحي البلدة الهادئة الرابضة على تلة مار ميخائيل وجبرائيل في جرد البترون بأنها ذات تاريخ صاخب. إذ إن لها اسمين و«فرعاً» في قبرص! جارة دير مار يوحنا في كفر حي، لها حصة وازنة في سجل الموارنة. في كتاب «كور الجندي ـــ قصة وتاريخ» الذي وضعه ابن البلدة المحامي مارون الخوري، جامعاً الروايات والوثائق الخاصة بكور، يعرض لأصل إلحاق كلمة «الجندي» بها.
ينقل من الذاكرة المتوارثة أن الأصل الشائع يعود «إلى الجندي العثماني المكلف بجباية الجزية المعروفة بالميرة. كان يأتيها، فيشاهد بيوت السكن على التلة من دون طريق واضحة للوصول إليها. إذ كانت الأحراج تحيط بها، وكان الأهالي يستخدمون طرقاً مموّهة وينشرون القندول لمنع تسلل الغرباء. الجندي كان يقف في كفرحتنا عند بئر يُعرف اليوم بـ«بير الجندي»، عاجزاً عن الوصول، فعاد خائباً يردد: يا كور الجندي أنت من عندك وأنا من عندي، ميرتك بِشلِك ونص راح إدفعها من جيبي».
أما تسمية «كور ماجيتي» فتعود الى القرن الثالث عشر. وفق الخوري، شهد القرن الثامن أول هجرة طوعية بين أهالي البلدة إلى جزيرة قبرص. حينها «اتفق الخوري سليمان الخوري وصهره من آل الزكرا على الهجرة نحو قبرص. لكن الخوري أقفل عائداً وأكمل صهره مع عائلته. الافتراق حصل في طرابلس قبل الصعود الى المركب». وفي رواية أخرى، حط الخوري في قبرص و«مكث مدة قبل أن يعود». أما الهجرة الثانية، القسرية، فسجلت عام 1254 ميلادية عندما أصبحت قبرص ملجأ الموارنة بعد هزيمة الحملة الصليبية أمام المماليك. حينها، «زحف شعب من قرى قضاء البترون إلى كنيسة مار اسطفان في مدينة البترون، منهم عدد من أبناء كور، لاستقبال الملك القديس لويس التاسع بطريق عودته من الحملة الصليبية الأولى.
فأجلى معه عدداً من الموارنة استخدمهم حرس حدود في شمال جزيرة قبرص. انضم أهل كور النازحون إلى أنسبائهم في قبرص. هناك، اكتشف أبناء البلدة أنه لم يبقَ في مسقط رأسهم إلا قلة، ففاضت قريحة أحدهم بموال ينتهي بعبارة: «كلنا جينا... ليش كور ماجيتي؟».
سكن أهالي البلدة البترونية في منطقة واحدة في شمال قبرص، سرعان ما عُرفت باسم «كورماكيتيس» (كور ما جيتي)، فيما أطلق عليها الأتراك اسم «كورو شام». وإلى كور ماكيتيس، لجأت عائلات عدة من كور الجندي اللبنانية، إبان حكم المماليك ثم الحكم العثماني، وصولاً إلى زمن المجاعة في الحرب العالمية الأولى (قضى فيها 195 من أصل 493 من سكانها).
يشير مختار كور الجندي عمانوئيل الخوري إلى الصورة العامة لكورماكيتيس المعلقة في قاعة كنيسة مار جرجس، مرفقة بشعار ناد أسسه أهل البلدة القبرصية.
الصورة ذكرى تركها وفد منهم زار مسقط رأس الأجداد في إطار زيارات تبادلية تنظمها منذ الأربعينيات مطرانية الموارنة في قبرص. المختار الخوري الذي كان في عداد وفد زار كورماكيتيس عام 2010 يؤكد أنه رغم انقطاع القرابة المباشرة بين أهالي الكورتين، إلا أن أهالي البلدة القبرصية لا يزالون يحافظون على عاداتهم الجردية.

سكان البلدة الذين هجروها أسسوا بلدة رديفة في قبرص بالاسم والعادات نفسها

«يزرعون الخروب مثلنا، وتتشح البلدة بالأشرطة البيضاء لدى وفاة أحد أبنائها». أسماء المنتقلين عبر البحر، بحسب الخوري، لا تزال نفسها مع بعض التحريف. «عائلة أبو فارس في كور الجندي هي نفسها مفاريديس في كورماكيتيس، ومنها ينحدر النائب في البرلمان جان مفاريديس».
عام 1973، أدى الغزو التركي للقسم الشمالي من قبرص إلى نزوح 3350 من أصل خمسة آلاف من أهلها إلى نيقوسيا. في السنوات الأخيرة، وافقت الحكومة التركية، بحسب المختار الخوري، على طلب الحكومة اللبنانية السماح لهم بزيارتها في عطلة نهاية الأسبوع لإقامة القداديس.
ليست كورماكيتيس التجمع «اللبناني» الوحيد في قبرص التي بنى الموارنة في أنحائها 72 قرية. المتحدرون من شامات في جبيل أسسوا بلدة لهم أيضاً هي «آسوماتوس»، والمتحدرون من قرطبا سمّوا بلدتهم الجديدة «كارباش»، فيما أسس المتحدرون من وادي قنوبين «آيا مارينا» التي هجروها بعد الاحتلال التركي بعدما تحوّلت إلى «قاعدة» للقوات التركية.