يبدو أن مسار الأزمة الخليجية سيظلّ، كما بدايته، حافلاً بالمفاجآت والتطورات الدراماتيكية التي تسبق في سرعتها أي افتراضات حول التداعي المنطقي للأحداث. هذا ما أوحت به تطورات ليل الجمعة - السبت، التي دخل على خطها العنصر الأميركي بقوة، من دون أن يتمكن من فتح كوة حقيقية في جدار النزاع، لمراوحته، إلى الآن، في دائرة التمنيات والدعم اللفظي للوساطة الكويتية. مراوحة تنبئ، إلى جانب تعنّت طرفَي الخلاف وحرصهما على عدم الظهور، ولو لساعات، في مظهر المتنازِل والمتراجِع، بأن أمام حلحلة الشقاق المستجد عقبات كأداء، وخطَّ سير طويلاً لا يخلو من احتمالات التصعيد.
وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كان واضحاً أمس في تأكيده «(أننا) لا زلنا في (مسار) اتخاذ الإجراءات في هذا الشأن، وسنستمر على موقفنا إلى أن تستجيب قطر لإرادة المجتمع الدولي في الكف عن دعم الإرهاب والتطرف وتمويله». وأضاف الجبير، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي يزور السعودية، «(أننا) نريد جدية في إيجاد حل لهذه الأزمة يؤدي إلى تطبيق المبادئ التي تدعمها جميع دول العالم، وهي عدم دعم الإرهاب، وعدم تمويل الإرهاب، وعدم استضافة أشخاص مطلوبين، وعدم نشر الكراهية والتطرف، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى»، متابعاً أن «على قطر أن تستجيب لهذه الطلبات لنفتح صفحة جديدة».

وزير خارجية البحرين: أمير قطر منافق لا يصدق في وعد له


مواقف تستعيد ما ورد في بيان وزارة الخارجية السعودية الذي صدر قبل يومين، تعليقاً على التوصيف القطري للاتصال الهاتفي الذي أجراه أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إذ رأى البيان أن ما نشرته وكالة الأنباء القطرية من اتفاق الطرفين على تكليف مبعوثين من كل دولة لـ«بحث الأمور الخلافية بما لا يتعارض مع سيادة الدول»، «استمرار لتحريف السلطة القطرية للحقائق، ودليل واضح على أن السلطة القطرية لم تستوعب بعد أن السعودية ليس لديها أي استعداد للتسامح مع تحوير السلطة القطرية للاتفاقات والحقائق».
ويظهر أن أكثر ما استفزّ الرياض، عقب إعلانها أن تميم «أبدى خلال الاتصال رغبته في الجلوس إلى طاولة الحوار ومناقشة مطالب الدول الأربع، بما يضمن مصالح الجميع»، هو النبرة «الاستعلائية» التي انطوى عليها البيان القطري، والتي أوحت بأن الدوحة لا تستعجل الحل كيفما كان، وكذلك ما حمله من إصرار على مبدأ «سيادة الدول»، في تشبث بمحدّدات لا تعترف دول المقاطعة بشرعيتها. ولعل هذه «الإهانة» المتعمّدة من قبل قطر هي التي حملت السعودية على قرارها «تعطيل أيّ حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح توضح فيه موقفها في شكل علني، وأن تكون تصريحاتها بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به».
وأياً تكن حقيقة ما دار خلال الاتصال الهاتفي بين تميم وابن سلمان، فإن من شبه المؤكد أنه جرى بناءً على طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يظهر أن زيارة أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح له، وإيلاءه في تصريحاته عقب محادثات البيت الأبيض الأزمة الخليجية أولوية فائقة، وحديثه الجدي عن سيناريوات خطيرة كانت مطروحة للتداول، كلها عوامل أحرجت ترامب ودفعته إلى تلبّس لبوس الوسيط، من دون أن تتم ترجمة ذلك عملياً سوى بالطلب من الطرفين أن يتحادثا.
لا مبالاة أميركية تجد فيها روسيا، على ما يبدو، فرصتها الأنسب، لاستغلال الشقاق الخليجي في تعزيز أجندتها داخل سوريا. هذا ما أنبأت به أمس تصريحات وزير الخارجية الروسي، عقب لقائه نظيره السعودي في جدة. صحيح أن لافروف، الذي التقى لاحقاً الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، أفرد جزءاً من تصريحاته للحديث عن الأزمة الخليجية، مجدّداً موقف بلاده في «تفضيل تسوية الاختلافات عن طريق المفاوضات، ومن خلال التعبير المباشر عن المخاوف، والتوصل إلى حلول تأخذ في الاعتبار مخاوف ومصالح جميع الأطراف»، ومؤكداً «(أننا) مهتمون بأن تسفر جميع جهود الوساطة التي تُبذل حالياً عن نتائج، وباستعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي»، إلا أن السياق الذي تندرج في إطاره زيارة المسؤول الروسي، بجولتَيها الأولى والثانية، للمنطقة، والمحطات التي تتضمنها (السعودية وقطر والأردن أهمها)، وكذلك تشديده، من الدوحة ومن الرياض، على مبدأي «خفض التصعيد» و«توحيد المعارضة» (قال لافروف أمس إن موسكو والرياض تعتبران إنشاء مناطق آمنة في سوريا خطوة إلى الأمام، تساعد في تعزيز نظام وقف الأعمال العسكرية وحل القضايا الإنسانية)، تشي بأن حل الأزمة الخليجية ليس إلا بنداً ثانوياً على أجندة موسكو السياسية.
إزاء ذلك، وفي ظل فشل الوسطاء الإقليميين والدوليين في إحراز أي تقدم على طريق التقريب بين طرَفي النزاع، يخلو الجو للتصعيد المتبادل المفتوح على غير احتمال، خصوصاً أن التراشق السياسي والإعلامي على الحلبة الخليجية بلغ، خلال اليومين الماضيين، مستوى مهولاً، إذ وصف وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، في تغريدة على «تويتر»، أمير قطر بـ«المنافق الذي لا يصدق في وعد له». وأعقبت ذلك تغريدات لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، دعا فيها الدوحة إلى «الكف عن المناورة بعد أن باعت سيادتها بخساً، وأن تتعامل ظاهراً وباطناً بشفافية، فلا سبيل غير ذلك، وأقصر الطرق الصراحة مع الرياض»، متّهماً قطر بمحاولة «دق إسفين الخلاف بين الرياض وأبو ظبي عبر طرحها الإعلامي الساذج»، حاضّاً إياها على أن تعلم أن «الأزمة ليست مصطنعة، بل نتيجة لدعمها للتطرف والتآمر على استقرار جيرانها، هي أزمة سياسية حقيقية علاجها غير إعلامي».
(الأخبار)