في كمين جديد نفّذته «ولاية سيناء ــ داعش»، قُتل ما لا يقل عن 18 شخصاً، غالبيتهم من قوات الأمن المصرية، على الطريق الدولي «القنطرة ــ العريش»، في منطقة يندر وجود المسلحين فيها، لبعدها النسبي عن مواقع نشاطهم في عمق العريش والشيخ زويد ورفح.
بهذه العملية وما قبلها، تحاول «ولاية سيناء» أن تظهر بين مدة وأخرى أنها لا تزال قادرة على العمل العسكري والأمني، وأن الحملات الأمنية طوال السنتين الماضيتين لم تُنهِ وجودها، خاصة في ظل إفادة شهود عيان «الأخبار»، على مدى الأسابيع الماضية، بوجود حواجز ينصبها عناصر «الولاية» في منطقة العملية، إضافة إلى محاولتهم إرهاب العاملين في مصنع الإسمنت القريب، مع محاولة سابقة لخطف مدير المصنع، وهو ضابط متقاعد، لكن سفره المبكر إلى القاهرة أنقذه منهم.
واللافت أن البيانات الرسمية من الجيش والشرطة غابت خلال الحدث، ما تسبب في زيادة الغموض، ثم اكتفت وزارة الداخلية بعد أكثر من خمس ساعات على العملية بخبر يؤكد وقوع هجوم استهدف ضبّاطها، من دون أن توضح مزيداً من التفاصيل عن الخسائر التي لحقت بهم أو نتائج المواجهات مع المسلحين الذين يبدو أن غالبيتهم نجحوا في الفرار إلى المناطق الجبلية المتاخمة، كذلك تأخر تحليق الطائرات الحربية في المنطقة إلى ساعات بعد الحادث.
ووفق المعلومات، بدأ الكمين حوالى العاشرة صباحاً واستهدف مدرعات وجنوداً على بعد عدة كيلومترات من كمين الميدان، فيما دمّر المسلحون سيارة كانت برفقة القوة الأمنية التي كانت متوجهة لتسلّم عملها بعد انتهاء إجازة غالبية الموجودين فيها. وأعقب ذلك تفجير ثلاث سيارات أخرى كانت تضم باقي أفراد الشرطة بالعبوات الناسفة، وأُجهز على البقية بالرصاص خلال محاولتهم الخروج من السيارات المشتعلة.

أكدت مصادر مصرية أن العملية لن تؤثر في سير التفاهمات


وفيما كان عدد من المسلحين يضربون طوقاً لمنع وصول الإمدادات، دمّر المهاجمون مدرعتين وأشعلوا النيران فيهما، كما استولوا على سيارة دفع رباعي. وطوال 45 دقيقة، لم تصل أيّ تعزيزات أمنية، كذلك فإن المسلحين زرعوا عبوات في الطريق أدت إلى منع وصول سيارات الإسعاف التي تعرضت هي الأخرى للاستهداف، بل إن المسلحين استهدفوا سيارتي إسعاف من الدفعة الأولى التي وصلت المنطقة، ما أدى إلى إصابة طاقميها، ولم يتمكن أحد من الوصول إلى منطقة الكمين إلا بعد الاستعانة بخبراء المتفجرات وتأمين الطريق أمام الوحدات، أي بعد نحو أربع ساعات.
وبحسب الإحصاءات، نُقل نحو 15 مصاباً إلى مستشفيات العريش، فيما نقل من كانوا في حالة خطرة إلى المستشفيات العسكرية في القاهرة، وتفيد المعلومات الأولية بأن رتب شهداء الأمن ضابطان و16 مجنداً وعسكرياً.
هذا الهجوم الذي يمثل ثاني عمل إرهابي ضخم في سيناء منذ بداية العام الجاري، يأتي تزامناً مع زيارة وفد حركة «حماس» برئاسة إسماعيل هنية لمصر، علماً بأنها المرة الثالثة التي يتزامن فيها عمل إرهابي مع زيارة وفد «حماس» التي تحاول التوصل إلى اتفاقات تسهّل الحركة على معبر رفح، بالإضافة إلى توفير احتياجات غزة عن طريق مصر. لكن مصادر مصرية، تحدثت إلى «الأخبار»، أكدت أن الهجوم الجديد «لن يغيّر الموقف من حماس، خاصة أن هناك تعهدات بمراقبة الحدود من الجانبين بشدة، نُفّذ جزء كبير منها، وفعلاً ساعدت في الحدّ من العمليات التي كانت تستهدف قوات الأمن في رفح والشيخ زويد».
أما على صعيد الزيارة الحمساوية، فتنقل مصادر فلسطينية أنه رغم التوتر الجاري جراء العملية، فقد كان حدوثها متوقعاً، خاصة أن «داعش» يرفض التقاء المصالح بين «حماس» ومصر، في وقت طلبت فيه الأخيرة من الحركة أن يكون إتمام المصالحة الفلسطينية شرطاً أساسياً قبل البحث في الملفات الأخرى. في المقابل، ردّت «حماس» بأنها لا تمانع إتمام المصالحة وفقاً للاتفاقات الماضية، مشددة على ضرورة حل مشكلة موظفيها الذين يتقاضون أنصاف رواتب، مع وقف رئيس السلطة محمود عباس الإجراءات العقابية ضد غزة، مشيرة إلى أنها تعطي المصريين «تفويضاً» بحل «اللجنة الإدارية» التي أزعجت السلطة، في حال طبّقت الأخيرة الشروط الواجبة عليها.
وفي وقت لاحق مساءً، صدر بيان عن «حماس» قالت فيه إن رئيس المكتب السياسي للحركة وعدداً من أعضاء المكتب في الداخل والخارج التقوا «رئيس المخابرات العامة المصرية»، مؤكدين له «حرص الحركة على أمن واستقرار جمهورية مصر وعدم السماح باستخدام قطاع غزة بأي صورة من الصور للمساس بأمنها». واستجابة للاشتراط المصري، أعلن الوفد استعداده «لعقد جلسات حوار مع حركة فتح في القاهرة فوراً لإبرام اتفاق وتحديد آليات تنفيذه، مع تأكيد استعداد حماس لحل اللجنة الإدارية فوراًَ وتمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهماتها وإجراء الانتخابات، على أن يعقب ذلك عقد مؤتمر موسّع للفصائل الفلسطينية في القاهرة، بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني».