قد تُفتح أبواب دول العالم أمام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ولكنّه سيصل إلى طرابلس ليجد سوراً كبيراً عُلّقت عليه صورة رشيد كرامي، يمنعه من الدخول. يطرق علّه يجد من يفتح له، فيكتشف أنّ معظم فعاليات المدينة، ومنهم الذين تبنّوا ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية، سيتركونه يندَه وحيداً. لا أحد من هؤلاء يجرؤ على تحدّي واستفزاز فئة كبيرة من أبناء طرابلس، ما زالوا يحملون ذكرى «الرشيد» أمانةً في أعناقهم، بصرف النظر عن موقفهم السياسي من ورثته.
اعتقدت القوات اللبنانية أنّها بالسيارات المليئة بالحصص الغذائية، والخدمات الاجتماعية، والزيارة «الصحية» للوزير غسان حاصباني، ستتمكن من تقديم «صورة جديدة» عن حزب القوات، تمحي ذكريات ميليشيا القوات، أو أنّ الجولات على قيادات المدينة، السياسية والدينية، وتعيين مسؤولين قواتيين جُدد خبيرين في الدهاليز الطرابلسيّة، ستنفع لتدشين العمل السياسي الرسمي لـ«القوات»، قبل أن يتبين لمعراب أنّ الواقع لا يتطابق مع خططها لطرابلس.
قبل ستّة أشهر، أعلن مسؤولون قواتيون لـ«الأخبار» أنّه «بعد أسابيع قليلة»، سيتم افتتاح أول مركز لمنسّقية طرابلس ــ الميناء. كان ذلك في آذار الماضي، ولتاريخه لم يُبصر المكتب النور. يُبَرَّر التأخير بأنّ المكتب كائن في مبنى سكني، لذلك «وبعد الترحيب بنا كقوات، رفض أصحاب الملك توقيع عقد الإيجار رفضاً لتعليق لافتات سياسية. الأمر يتعلّق بكل من يريد رفع لافتات حزبية، وليس فقط القوات». بدأ البحث عن موقع آخر، «هناك مكتب على الطريق السريع المؤدي إلى السنترال، من المُمكن أن يتم الاتفاق على استئجاره».
طرابلس هي من أكثر المُدن التي ترتفع فيها صور السياسيين، واللافتات الحزبية. لا يكاد يُستثنى مبنى، أو حائط، أو طريق، من تبجيل شخصيةٍ ما. لذلك، لا يُمكن «تبسيط» رفض الطرابلسيين لرفع رايات القوات اللبنانية فوق أملاكهم، وفصله عن السياق العام المُمانع لوجود حزب جعجع في المدينة. ليس لسبب سوى لأنّ رشيد كرامي حيّ في «ضمير طرابلس». رمي التراب فوق قضيته، وتكريس الوجود السياسي القواتي في مدينته، أمرٌ صعب. حتى الوزير السابق أشرف ريفي، السياسي الطرابلسي الأقرب إلى القوات، نصح معراب علناً بعدم ترشيح قواتي في عاصمة الشمال. ويُنقل عنه قوله إنّ «في المدينة جوّاً عاماً مُتعاطفاً مع كرامي، ويعتزّ به. نحن لا نُحاكِم أحداً، ولكن هو ضمير طرابلس». نصيحته للقوات بسيطة: «لا يوجد قاعدة شعبية تسمح بانتخاب نائب. والناس تُحدّد خياراتها وفق السياسة وليس الخدمات التي لا تصنع حضوراً في المدينة». أما في حال أصرّت القوات اللبنانية على ترشيح أحد، وافتتاح مكتب، فـ«ريفي يتحالف معها في عكّار، ولكن ليس في طرابلس». معظم سياسيي المدينة، والعارفون بأحوالها، يتفقون مع الكلام المنقول عن ريفي. يتذكرون كيف أحجم الوزير محمد كبارة عن التصويت لمصلحة جعجع إلى رئاسة الجمهورية، وكيف لا يُفوّت مناسبة إلا ويُهاجمه، على الرغم من وجود «أبو العبد» في كتلة تيار المستقبل.
«هذه حُجج لاستبعادنا»، يقول مستشار جعجع، والمُرشح إلى الانتخابات في طرابلس إيلي خوري، على الرغم من «أننا على تواصل مع جميع القوى في المدينة، ولم نخرج بأيّ انطباع أنّ أحداً لا يريد مشاركتنا»، علماً بأنّ القوات اللبنانية لا تشعر بأنها «معنية لا من قريب ولا من بعيد باغتيال كرامي. لم ولن نعترف به». وللمناسبة، يُطلق خوري على كرامي لقب «الرئيس الشهيد». يُصرّ خوري على أنّ لحزبه «حضوراً قوياً في دائرة الشمال الثانية (طرابلس ــ المينة ــ الضنية)، لا سيّما في الضنية. هذه الحالة التمثيلية سيكون لها مُرشح». والأمر محصور بمقعد واحد «لأنه أولاً لدينا حسابات عقلانية، وثانياً لأن قراراً كهذا يعكس جديتنا في أننا نُرشّح شخصاً ليصل». التحالفات لم تُحسم بعد. ولكن في حال لم تقبل أيّ من قيادات المدينة التحالف مع القوات «لا يستبعد أحد احتمال اللائحة الرابعة. تواصل معنا أفراد من المجتمع المدني، والعائلات... لن نُقدم على هذه الخطوة الآن، لأننا ما زلنا نعتبر أنفسنا في تحالف مع تيار المستقبل، وهناك إمكانية لأن نُشكل لائحة معاً وتضمّ التيار الوطني الحر».
المُشكلة لا تتعلّق فقط برفض عاصمة الشمال فتح المجال أمام جعجع، ليتمدد، بل أيضاً بالنزاعات الداخلية بين منسّقية المنية ــ الضنية من جهة، وطرابلس من جهة أخرى، حول من يملك «أحقيّة» تزكية اسم المُرشح إلى الانتخابات النيابية. فبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، يهدِّد منسّق القوات في المنية ــ الضنية ميشال خوري، مع عددٍ من المنتسبين، بتقديم استقالاتهم من الحزب اعتراضاً على ترشيح إيلي خوري، لاعتبارهم أنّ الأخير «لا يملك المقومات التي تخوّله خوض الانتخابات. فهو يواجه اعتراضات عدّة، حتّى في طرابلس، إضافة إلى أنّ الثقل القواتي والمسيحي موجود في الضنية وليس في طرابلس». قيادة معراب حسمت خيارها بترشيح إيلي، «والشباب أيضاً لن يتراجعوا عن ترشيح ميشال، فيكون هناك مرشحان قواتيان».
حاولت «الأخبار» الاتصال بميشال خوري من دون أن تتمكن من التواصل معه. أما إيلي خوري، فيقول إنّ «الموضوع طُرح من منطلق أنه لماذا لا يكون المُرشح من الضنية، وليس استهدافاً لشخصي. ولكن جرى تضخيم القصة، وفي الأيام المقبلة سيظهر ذلك».