في مقاله الصادر في جريدة «الأخبار» بتاريخ 18/12/2011، تعرّض الدكتور أسعد أبو خليل لوالدي ولي، غير أنّه ليست لديّ أية رغبة في الرد عليه. وليس عزوفي ذلك ناشئاً عن عدم إيماني بأهمية المساجلات الفكرية، إذ على العكس تماماً، غير أنّ ما قرأته في تلك الأسطر لا يطرح فكرة ما أو موضوعاً ما للمناقشة. كل ما قرأته كان مجرد أحكام إعدام بالجملة. فالكاتب حاول إعدام سيرة رجل عربي اسمه عجاج نويهض، ابتدأ نضاله ضد الصهيونية على أرض فلسطين منذ عشرينيات القرن الماضي، ومجلته «العرب» تشهد؛ ومعتقل صرفند يشهد؛ ودار الإذاعة الفلسطينية في أيام رمضان وهي تصدح: «هنا القدس... هنا مدينة الإسراء والمعراج... هنا مدينة عمر» تشهد؛ ومئات المقالات التي دبجها في كشف طبيعة الصهيونية العنصرية على صفحات الدوريات العربية، من الرباط حتى مكة، تشهد؛ ومذكراته «ستون عاماً مع القافلة العربية» تشهد؛ وكتابه «بروتوكولات حكماء صهيون: نصوصها، رموزها، أصولها التلمودية» يشهد. فالعربي المجاهد، عجاج نويهض، هو من الأوائل الذين كشفوا طبيعة الصهيونية العنصرية، وهو من لاحقته الحركة الصهيونية عشرات الأعوام من عمره. يوم كان والدي حياً، لا أذكر حادثة واحدة تعرض فيها للذين لا يعتقدون بصحة البروتوكولات. كان دوماً من أصحاب العقل الواسع، والصدر الرحب، ومنه تعلمت حرية الفكر والرأي، وهذا ما دفعني إلى كتابة هذا المقال. كان من أحكام الدكتور أبو خليل أيضاً قراره بإعدام مؤلفاتي بالجملة. والسبب هو ـ كما يقول ـ استشهادي في كتابي «فلسطين: القضية. الشعب. الحضارة...» ببروتوكولات حكماء صهيون، وهذا ـ برأيه ـ سبب قاطع لمنع الباحثين والطلاب من العودة إلى كتابي الأول عن «القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين...»، ولعلني في يوم قادم أقرأ حكمه بالإعدام على كتابي «صبرا وشاتيلا...»، أو أي كتاب لم أنشره بعد.
غير أنّ ذلك كلّه لا يستدعي الرد، إلا أنّه تجدر الإشارة إلى ضرورة مناقشة السبب القاطع أو «الجريمة» التي ألصقها الدكتور بي. فهي ـ كما يقول ـ استشهادي بالبروتوكولات في كتابي «فلسطين..»، بينما الحقيقة أنّه لم يرد في هذا الكتاب أي استشهاد بالبروتوكولات على الإطلاق ـ كما هو مفهوم الاستشهاد القائم على تقدير المؤلف لمن ينقل عنه مثلاً ـ بل على العكس من ذلك، فكل ما ورد فيه من مقتبسات عن الأصل كان بهدف التوصل إلى تحليل علمي لهذا الكتاب المثير للجدل، وهو الكتاب الذي لا تتطابق قناعاتي بشأنه مع قناعات والدي. لكن ذلك ليس موضوعنا (راجع: «فلسطين: القضية. الشعب. الحضارة...» (1991)، ص 349 ـ 356).
وأسمح لنفسي في هذا السياق بأن أذكر ما جرى معي في 17 أيلول 1982، وكانت قد مضت أيام قليلة على احتلال الجيش الإسرائيلي لبيروت الغربية. اقتحم بيتي أربعة ضباط وجنود إسرائيليين ـ ولست بصدد تفاصيل تلك الساعة ـ لكنّني أتوقف حين امتدت يد الضابط قائد المجموعة، فسحب كتاب البروتوكولات من المكتبة، وحمله بغضب، وقال بأنّ هذا كتاب سيئ ويجب أن يُمنع. أجبته بهدوء: «واضح أنّنا في لبنان نتمتع بحرية فكرية أكثر مما لديكم في إسرائيل. سألتني قبل قليل عن مهنتي، وأجبتك بأنّني أستاذة في العلوم السياسية، في الجامعة اللبنانية، وطلابي هم الذين يحكمون على هذا الكتاب أو ذاك. وكل منهم له رأيه وتحليله. هذه أبسط قواعد حرية المعرفة».
وأختم هذه المقدمة الطويلة بإيماني بضرورة البحث في المواضيع الأساسية، ومنها التمادي الإسرائيلي/ الصهيوني، الذي لم تعد له حدود في قهر الشعب الفلسطيني... فما أهمية «البروتوكولات» وقد تفوّق عليها زعماء الصهاينة عنصريةً وإجراماً؟
هذا هو الموضوع الذي أعتقد أنّه الأهم، وللخوض فيه لا بد من عرض موجز للبروتوكولات بهدف التوصل إلى طبيعتها، أهي صحيحة أم مزورة؟ ثم مقارنتها بما صدر ويصدر عن الزعماء الصهاينة، حتى يومنا هذا.
المعروف أنّ نتائج مؤتمر بازل الذي دعا إليه هيرتسل وترأسه في 1897 تتلخص في أمرين. الأول «برنامج بازل» المؤلف من أربعة بنود تتمحور حول هدف الصهيونية الأساسي، أي تأسيس وطن لليهود في فلسطين. والثاني مسودة نص من أربعة وعشرين بروتوكولاً أصبحت تُعرف بـ«بروتوكولات حكماء صهيون»، قيل إنّها كانت قد أعدت لإقرارها في المؤتمر، وقيل إنّه يفترض بالحركة الصهيونية أن تسير عليها، كي تحقق أهدافها.
عندما صدر كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» أول مرة بالإنكليزية في لندن، في 1919، أثار عاصفة هوجاء. أنكر الصهاينة الكتاب جملة وتفصيلاً، واعتبروه مزوراً، من صنع المعادين للسامية بقصد إيذاء اليهود، فأخذوا يشترون النسخ من الأسواق للحدّ من توزيعها. وكانوا يعتبرون كل من يقتني الكتاب أو يتحدث عنه معادياً للسامية يستحق العقاب. فكانت النتيجة عكس ما سعت إليه الحركة الصهيونية؛ إذ تُرجمت «البروتوكولات» إلى عدّة لغات، واكتسبت شهرة فائقة.
يظهر من خلال البروتوكولات الأربعة والعشرين مخطط شامل لاستيلاء المنظمة الصهيونية العالمية على مقدّرات العالم. والمخطط أن يتم ذلك بتقويض كل ما هو قائم، ولا سيما أوروبا المسيحية، وروسيا الأورثوذكسية، والبابوية، والإسلام. وسيحتاج هذا، وفقاً لتصورات واضعي «البروتوكولات»، إلى فترة مائة عام تنتهي في 1997؛ فعندئذ، يعتقد أصحاب «البروتوكولات» أنّهم سيستولون على العالم المنهار، ويقيمون ملكاً يهودياً لنسل داوود، بإعلانهم الحكومة العالمية اليهودية على أنقاض الآخرين. لا توجد حتى الآن رواية ثابتة لأصل «البروتوكولات» التي تنسب، عادة، إلى مؤتمر بازل، فهناك أكثر من رواية. ورد في مقدمة النسخة الإنكليزية أنّ العالم الروسي سيرجي نيلوس هو أول من ترجم «البروتوكولات» إلى اللغة الروسية. والمعروف أنّها نشرت أول مرة ـ بالتتابع ـ في الصحيفة الروسية «Moskowkja Widmosti» في شتاء 1902/1903، ثم نشرت ثاني مرة في صحيفة روسية اخرى هي «Snamja» في شهري آب وأيلول من سنة 1903. أما خارج روسيا، فلم يكن قد عرف عنها شيء بعد.
لما وصلت نسخة من ترجمة نيلوس إلى المتحف البريطاني في 1906، لم تثر انتباه أحد حتى كانت الحرب الكبرى. وكان الصحافي البريطاني فيكتور مارسدن هو من قام بترجمتها إلى الإنكليزية. وعندما صدرت ترجمته في 1919 أول مرة، ابتدأت المعركة الصاخبة في شأن صحة «البروتوكولات» من عدمها.
تختلف رواية الكولونيل سكوت في كتابه «الحكومة الخفية»، فهو يذكر أنّ أصل «البروتوكولات» يعود إلى مؤتمر بازل، فهذه الوثيقة قد أعدت لإقرارها في المؤتمر، غير أنّ البوليس السري القيصري قد دبر حريقاً في مكان الاجتماع، في اليوم الثالث، فهرب الأعضاء واستولى البوليس على أوراق المؤتمر، وبينها مسودة «بروتوكولات حكماء صهيون». وفي سان بيترسبورغ، عثر على هذه المسودة بين الأوراق. وبغض النظر عن الأصل في ظهور البروتوكولات في روسيا، فالمعروف عن مصيرها أنّ نسخها أتلفت بعد قيام الثورة البلشفية. وفي عهد كيرنسكي، أصبحت عقوبة حيازة البروتوكولات الإعدام.
لجأ الصهاينة مرة واحدة إلى القضاء لإثبات تزوير «البروتوكولات»، فادعى «اتحاد الطوائف اليهودية» في سويسرا، في 1933، على خمسة أعضاء من الجبهة الوطنية السويسرية بتهمة نشرها في سويسرا. وحكمت المحكمة السويسرية للجانب الصهيوني، وأعلنت أنّ «البروتوكولات» مزورة. إلاّ أنّه لما استأنف المدّعى عليهم الحكم، أصدرت محكمة الجزاء العليا حكمها في 1937 بإبطال القرار السابق.
صحيح أنّ أحداً لم يتمكن حتى الآن من إثبات صحة «البروتوكولات»، غير أنّه صحيح أيضاً أنّ أحداً لم يتمكن من إثبات عدم صحتها. ويؤخذ على الصهاينة الذين يتنصلون منها أنّهم لم يُخضعوا «البروتوكولات» لأي تدقيق علمي من قبل الخبراء لإثبات التزوير الذي يقولون به، وهم بذلك سهلوا مهمة الذين هاجموا «البروتوكولات» بعنف.
لم تترك «البروتوكولات» جانباً إلا وطرقته في سبيل هدف واضح هو تخريب المجتمعات البشرية، اقتصادياً واجتماعياً وصحافياً وخلقياً، وذلك تمهيداً لسيطرة «الشعب المختار» وحكامه من نسل داوود. نهجت «البروتوكولات» على تقسيم البشر إلى فئتين: فئة الشعب المختار (اليهود)؛ وفئة الغوييم، وهي سائر البشر (غير اليهود)، والغوييم معناها الحيوانات العجماء، ولهذا التقسيم جذور تلمودية واضحة. ورد في البروتوكول الحادي عشر: «الغوييم قطيع من الغنم، ونحن ذئابهم، وتعلمون ماذا يحل بالغنم إذا جاءتها الذئاب».
لا يوجد في «البروتوكولات» أدنى احترام للديموقراطية، وللدساتير، التي تعتبرها منبراً للثرثارين ومدرسة لفنون الانشقاق والشغب والمشاكسات الحزبية. وهي تدعو إلى إلغاء الحريات، وخصوصاً حرية التعليم، ولا تجد وسيلة لإشاعة الفوضى أفضل من خلق الأزمات الاقتصادية، وإفساد الشباب، والتجسس. وقد ورد في البروتوكول الأول ما يكفي للبرهان على التسلط الغاشم: «لا يتم وضع المخطط وضعاً كاملاً محكماً إلى آخر مداه، إلّا على يد حاكم مستبد قاهر ــ الحرية السياسية إنما هي فكرة مجردة، ولا واقع سياسياً لها ــ لا حياة للحضارة، والحضارة لا تقوم على الدهماء، بل على من يقود الدهماء ــ في الزمن الماضي كنا أول من نادى في جماهير الشعب بكلمات الحرية والعدالة والمساواة، وهي كلمات لم تزل تردّد إلى اليوم، ويردّدها من هم بالببغاوات أشبه».
ثلاثة أسلحة لدى حكماء صهيون هي: المال، والصحافة، والعنف. جاء في البروتوكول الخامس في ما يتعلق بالمال: «وكل دواليب الأجهزة تحتاج إلى محرك، وهذا المحرك بأيدينا وهو الذهب». وجاء في البروتوكول الثاني بشأن الصحافة: «غير أنّ الغوييم لم تعرف بعد كيف تستغل هذه الآلة [الصحافة]، فاستولينا عليها نحن، وبواسطة الصحف نلنا القوة التي تحرّك وتؤثّر، وبقينا وراء الستار». وفي البروتوكول السابع: «وطريقة حمل تلك الحكومات على ما نريد، هي التيار الذي يقال له الرأي العام، وفي يدنا الخفية زمامه ومقادته، نحرّكه بالقوة الكبرى ــ الصحف».
أما العنف، فأنيابه بارزة من البروتوكول الأول: «خير النتائج التي يراد تحقيقها من التسلط على الغوييم بطريق الحكومة، إنما يكون بالعنف والإرهاب ــ حقنا منبعه القوة ــ وهذا الشر هو الوسيلة الوحيدة لبلوغ الغاية المقصودة من الخير. ولذلك لا ينبغي لنا أن نتردد في استعمال الرشوة والخديعة والخيانة».
لا تخلو «البروتوكولات» من الجانب المسرحي في وصف تنصيب ملك اليهود «البابا الحقيقي للمسكونة كلها»، كما ورد في البروتوكو ل السابع عشر. ثم تكتمل المسرحية في البروتوكول الثامن عشر بالحاكم الذي يخرج إلى الناس محاطاً دائماً بجمع غفير، من عامة الشعب ظاهراً، ومن الحرس حقيقة. وإزاء مشاهد كهذه، تبدو «البروتوكولات» كتابة سطحية سخيفة فعلاً، ولا تستحق نقدها بجدّية.
بمعنى آخر، إنّ من يحكم على «البروتوكولات» بنصها المكتوب، يجدها مسرحية خيالية يستحيل تحقيقها، أكثر من كونها برنامجاً سياسياً. أما من يحكم على روح «البروتوكولات» وفلسفتها العامة، فهو لا يراها إلاّ نسخة عن تصريحات الزعماء الصهاينة وكتاباتهم السابقة واللاحقة، التي تمادت مع الزمن وتفوقت على البروتوكولات نفسها، وهنا، تسقط أهمية صحة «البروتوكولات» أو عدم صحتها.
لم تتبرأ الحركة الصهيونية من كتابات هيرتسل وهس وبنسكر، مثلاً، أو من مؤتمر بازل نفسه، مع أنّ الفكر الصهيوني والمخططات الصهيونية حتى عهد هيرتسل، كانت كلها تنضح بروح «البروتوكولات» وفلسفتها العامة. إنّ التحقير من شأن الديموقراطية والإعلاء من شأن الديكتاتورية، من أسس دولة هيرتسل؛ ووسيلة المال للمآرب السياسية أسلوبه الأوحد؛ أما وسائل الإعلام فهي نفسها وسائل هيرتسل والحركة الصهيونية. أما الإعلام الغربي عموماً، والأميركي خصوصاً، الذي تسيطر عليه الحركة الصهيونية في عصرنا، فهو الدليل.
أما نظرية الغوييم، فهي في صلب فكر موشي هس الذي أطلق على العرب «القطعان المتوحشة»، وفي صلب فكر هيرتسل الذي غازل الغرب بإنشاء دولته اليهودية قاعدة حضارية أوروبية «في وجه البربرية»، وهي أساساً في صلب التلمود نفسه. فأي جديد هناك إذن؟ الهجوم على الأديان الأخرى؟
تفوقت أقوال الصهاينة في القرن العشرين حتى على نظرية «الغوييم» في «البروتوكولات»، تلك النظرية القائمة على احتقار الآخرين، لكن ليس على نفي وجودهم والعمل على إخراجهم من ديارهم، بينما زعماء إسرائيل وقادتها نادوا بطرد العرب نهائياً، وكان من أوائلهم جوزيف وايتس، رئيس قسم المستعمرات/ المستوطنات في الوكالة اليهودية، الذي قال منذ 1940: «يجب أن يكون واضحاً في ما بيننا بأنّ لا مكان لشعبين في هذا البلد. نحن لن نحقق أهدافنا مع وجود العرب في هذا البلد الصغير. لا يوجد غير حل واحد وهو ترحيل العرب، كل العرب، إلى البلدان المجاورة. ويجب ألا تبقى قرية عربية واحدة، ولا قبيلة واحدة».
وكان بن غوريون هو القائل، في 1948: «يجب أن نطرد العرب ونأخذ مكانهم». وأما يتسحاق رابين ، فهو القائل: «سوف نخفض السكان العرب إلى جالية من الحطابين والخدم». وقالت غولدا مائير، في 1969: «كيف يمكننا أن نعيد الأراضي المحتلة؟ لا يوجد هناك أحد لنعيدها إليه... لا يوجد هناك شيء كالفلسطينيين، فهم لم يوجدوا قط». وقال رفائيل إيتان، رئيس الأركان، في 1988: «نحن نعلن بوضوح أنّ العرب لا يحق لهم أن يستقروا حتى على سنتيمتر واحد من أرض إسرائيل... يجب استعمال منتهى القوة حتى يأتي إلينا الفلسطينيون زاحفين على الأربع».
وإن كان مناحيم بيغن، رئيس الوزراء في 1982، من الذين شبهوا الفلسطينيين بالحيوانات بقوله: «الفلسطينيون حيوانات تمشي على قدمين»، فقد تفوق عليه يتسحاق شامير، رئيس الوزراء في 1988، بقوله: «الفلسطينيون سيُسحقون كما تسحق الجنادب... فالرؤوس تتحطم على الصخور والجدران».
أما نتنياهو، فيتفوق على كل من جاء قبله بأنّ عهده عهد التنفيذ وتخليص إسرائيل من الدخلاء الفلسطينيين، وليس عهد كلام!
صحيح أنّه توجد في إسرائيل «حركة السلام الآن»، كما يوجد العديد من أصحاب الرأي بين الكتّاب والمؤرخين الجدد، وصحيح أنّ الكثيرين من اليهود عبر العالم يؤيدون إنشاء دولة فلسطينية، لكن كلّ هؤلاء لا أثر لهم في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي، الذي ما خرج يوماً عن نهج السياسة العنصرية الصهيونية الهرتسلية، بل تفوق عليها.
ولو جئنا نعدد الانتهاكات العلنية الصارخة ضد الفلسطينيين من قبل الإسرائيليين، لتلاشت أهمية «بروتوكولات حكماء صهيون» إلى حد النسيان، فالانتهاكات اليومية تعمل على طرد البشر، وحرق الشجر، وسرقة الأراضي، وبناء الجدار العنصري العازل.
كم قانون جائر تستند إليه إسرائيل لطرد العائلات المقدسية وهدم منازلها؟ كم قانون جائر استولت من خلاله على ممتلكات الفلسطينيين؟ مَن يحاسب إسرائيل على غطرستها التي لا حدود لها، وادعاءاتها بتملك فلسطين، وحقها بدولة «يهودية» لا مكان فيها لمن لم يكن يهودياً؟
لم يرد شيء في «البروتوكولات» عن طرد الشعب من أرضه، بينما تصريحات الإسرائيليين تتصاعد ضد الفلسطينيين، وضد بقائهم، وضد عودتهم، وضد وجودهم، كل هذا لا يترك مجالاً للشك بأنّ روح البروتوكولات وفلسفتها ليست هي القائمة وراء السياسات الإسرائيلية المتلاحقة فحسب، بل يؤكد أنّ السياسة الإسرائيلية المستمدة من روح الصهيونية الهرتسلية قد تطورت نحو الأكثر سوءاً، وتمادت إلى أبعاد لم تصل إليها أية قوة استعمارية أو امبريالية سابقة على وجه الأرض.
بكلمة أخرى، لقد تخطت هذه الدولة، بفضل عنصرية قادتها التي لا حدود لها، حدود «البروتوكولات» ــ صحيحة كانت أو مزورة ــ كما تخطت كل الخطوط الحمر والسود التي سجلها هيرتسل في كتابه «يوميات هيرتسل»، وكذلك في كتابه «الدولة اليهودية». أي أنّ التلامذة تفوقوا على الأستاذ المؤسس.
* مؤرخة فلسطينية