أثبت توقيع المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حركتي «حماس» و«فتح»، يوم أمس في العاصمة المصرية القاهرة، أن الانقسام وقرار إنهائه لم يكونا محصورين بالطرفين، بل بالأطراف الدولية التي كانت ترعاهما. «اتفاق القاهرة» الجديد جاء بعد رفع «الفيتو» الأميركي عن إتمام المصالحة، بهدف السيطرة على «حماس»، ومنعها من الخروج عن «بيت الطاعة» في أي صفقة إقليمية جديدة. لذلك، تحركت مصر، التي هي شريك أساسي في الحصار الإسرائيلي على القطاع والمقاومة، وقررت أن تكون راعية المصالحة بين الطرفين.
ووفق المعلومات، ضغط جهاز «المخابرات المصرية» بقوة على الطرفين كي يوقّعا صيغة نهائية هذا الأسبوع بعدما كان الحديث يدور حول تمديد ليوم إضافي وعودة إلى القاهرة الأسبوع المقبل (راجع عدد أمس). وعملياً، تم الاتفاق في ثلاثة ملفات رئيسية: تسليم المعابر وتسلّم مقارّ الوزارات، والتوافق المبدئي على دمج موظفي الحكومتين، على أن يصار إلى إرجاء الباقي (نحو ستة ملفات) حتى الحوارات المقبلة.
وطوال السنوات القليلة الماضية، حيّدت القاهرة نفسها عن المشهد الفلسطيني، واصطدمت مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بتبنيها القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، كما واجهت «حماس» بصفتها الذراع العسكرية لـ«جماعة الإخوان المسلمين». لكن كل هذه الخلافات مُحيت بمجرد صدور الضوء الأخضر الأميركي للسير في «صفقة القرن» التي يروّج لها الرئيس دونالد ترامب، وهكذا تمت المصالحة بكل وضوح.

تم الاتفاق بصورة مبدئية
في 3 ملفات وأُرجئت 6 أخرى
إلى وقت لاحق

وعملياً، عادت القاهرة إلى الساحة الإقليمية مع بروزها في الأشهر الماضية كتابع للسعودية والإمارات العربية عبر البوابة الفلسطينية. فتقربت أولاً من «حماس» وخففت من حصارها على القطاع بإدخال الوقود إلى محطات الكهرباء وبعض البضائع ومواد البناء، ثم صالحت عباس بتقييد حركة دحلان. أما الأطراف الفلسطينية الأخرى، فكانت تجهد للالتقاء، إذ كانت «حماس» تسعى جاهدة إلى مصالحة عباس لتخفيف الأعباء عنها في القطاع، ولذلك استغلت ورقة دحلان لمناكفة «أبو مازن». أما عباس، فكان يريد العودة إلى غزة ليظهر كرئيس يسيطر على أراضي السلطة كلها. وبقية التنظيمات بقيت أيضاً على تواصل وزيارات منفردة إلى مصر.
ويحمل الاتفاق الذي وقّع أمس بحضور شخصي من وزير المخابرات، خالد فوزي، الرقم 11، وهذه المرة سيلتزمها الطرفان، إذ إن الضغوط المصرية كانت شديدة وبصورة لافتة، بل إن معظم الجلسات عُقدت في مقر «المخابرات العامة» في القاهرة، ومُنع الطرفان من إدخال الهواتف والتواصل مع مرؤوسيهم إلا في نهاية كل يوم مفاوضات.
وكان لافتاً أنه في معظم بيانات «فتح» السابقة للتوقيع، جاء التركيز على ملفي الأمن وتسليم المقارَ، فيما ركزت «حماس» على ملف الموظفين. ووفق ما أعلن، جاء في أول بنود الاتفاق «تمكين الحكومة من العمل في غزة كما في الضفة الغربية». أما عن ملف الموظفين، فذكرت مصادر، في حديث إلى «الأخبار»، أن ما اتفق عليه هو أن «كل موظف له ضمان وظيفي... بغض النظر عمن سيحال لاحقاً على التقاعد، أو عن طريقة ترتيب المناصب ووكلاء الوزارات ومديري الأقسام»، وهذا يشمل تحديداً الموظفين المدنيين في غزة التابعين لرام الله أو لحكومة «حماس» السابقة.
تضيف تلك المصادر أن نيّة السلطة هي إحالة 32 ألف موظف على التقاعد ضمن خطة تقليصية تشمل الضفة وغزة بين عسكريين ومدنيين، لكن من دون فصل أي موظف. أما عن الحالة الأمنية، فطلبت السلطة تسليم مبنى السفينة غرب مدينة غزة والبدء بدمج ثلاثة آلاف من موظفيها سوف ينتشرون على الحدود، وخاصة مع مصر. وسيشرف على عملية الدمج رئيس المخابرات الفلسطينية، ماجد فرج، بذاته.
وتكمل المصادر نفسها بشأن جدول الاتفاق أنه في الأول من تشرين الثاني المقبل سوف تبدأ الإدارة المكلفة بالمعابر عملها مع وعد مصري بفتح معبر رفح ثلاثة أيام أسبوعياً بصورة أولية. وفي مطلع كانون الأول المقبل، سوف تكون الحكومة قد تمكنت من تسلّم جميع المقار والهيئات في غزة، على أن يسبق ذلك في الحادي والعشرين من تشرين الثاني اجتماع موسع للفصائل كافة في القاهرة بدعوة مصرية، فيما من المقرر أن تنهي اللجنة الإدارية الخاصة بملف الموظفين عملها ما بين كانون الثاني وشباط من العام المقبل.
وفي هذه الشهور، ستلتزم رام الله بدفع المستحقات المالية الشهرية لموظفي غزة جميعاً بمبالغ لا تقل عما يصرف لهم في الوقت الحالي (50% من الراتب)، في ظل متابعة مصرية عبر لجنة ستقيم في غزة. وهذا ما أكده عضو المكتب السياسي لـ«حماس» روحي المشتهى، المقيم في القاهرة، بالقول إن «الموظفين المدنيين في مواقع عملهم يعتبرون الآن موظفي دولة. وأضاف مشتهى في موضوع الموظفين العسكريين، أن «موضوعهم خلافي، فاتفاق اليوم جاء لتنفيذ اتفاقية 2011، التي اختصت بالنظر في ملف الموظفين المدنيين، ولم تشمل العسكريين... لكن ستدفع رواتبهم مؤقتاً أسوة بالمدنيين».
وفور التوقيع على الاتفاق، أصدر رئيس السلطة محمود عباس، توجيهاته للحكومة والأجهزة والمؤسسات بالعمل الحثيث لتنفيذ «اتفاق القاهرة»، كما تلقى اتصالاً من قائد «حماس» في غزة، يحيى السنوار، بارك له إنجاز المصالحة.
في السياق، قال رئيس وفد «فتح» إلى القاهرة، عزام الأحمد، إنه تم الاتفاق على «آلية تمكين الحكومة وعلى رأسها إدارة كافة المعابر (...) وسننشر حرس الرئيس على امتداد الحدود الفلسطينية». ولفت إلى أن «الثقل المصري تميز هذه المرة عن كل المرات السابقة».
أما نائب رئيس المكتب السياسي في «حماس»، صالح العاروري، الذي وقّع الاتفاق، فقال: «نحن عازمون في هذه المرة وفي كل مرة على إنهاء الانقسام، ونحن بادرنا بشكل أحادي إلى حل اللجنة الإدارية وفتحنا الباب من أجل الوصول إلى هذه المصالحة»، مضيفاً: «حين شعرنا بأن اللجنة تشكل مشكلة، فتحنا الباب من أجل الوصول إلى هذه المصالحة».
كذلك، قال رئيس الحكومة، رامي الحمدالله، إنه سيتوجه «قريباً» إلى غزة للمرة الثانية، مضيفاً على حسابه على «فايسبوك»، أن الاتفاق يعني «البدء بمرحلة جديدة من العمل المكثف من أجل إنهاء معاناة أهلنا في القطاع». مع هذا، قال عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، صلاح البردويل، إن حركته «تنتظر أمراً رئاسياً بوقف العقوبات التي أقرتها الحكومة، خلال الأشهر الماضية، ضد قطاع غزة».
إلى ذلك، قال المتحدث باسم «فتح»، أسامة القواسمي، أمس، إن «قضية المعابر على رأس أولويات حكومة الوفاق الوطني... لما لها من علاقة بالحياة اليومية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة»، مضيفاً: «مع بداية الشهر المقبل، سيتسلم حرس الرئيس والسلطة والحكومة المعابر».
(الأخبار)