تأثر كثر بشخص البطريرك الماروني السابق نصرالله صفير، ومنهم النائب السابق فارس سعيد الذي كانت تربطه علاقة قوية ببكركي. بقيت هذه العلاقة قائمة مع تسلم البطريرك بشارة الراعي الصولجان ولو بحماسة أقل، فيما اللافت اليوم أن سعيد هو الذي يؤثر في البطريرك لا العكس. فما كاد المرشح الجبيلي يطلق مبادرته التطبيعية مع إسرائيل، مطالباً بتعديل القوانين كي يتسنى للبنانيين زيارة الاراضي المقدسة المحتلة (بالتنسيق مع سلطة الاحتلال، بطبيعة الحال)، حتى أطلّ الراعي يوم أول من أمس ليسوّق لهذه المبادرة ويشتكي من تحميل لبنان وزر القضية كلها ومنعه من تحقيق السلام مع اسرائيل. وتقول مصادر مطّلعة في هذا السياق إنه رغم فتح السعودية التي يزورها الراعي قريباً خطوطاً مع إسرائيل، إلا أنها هي نفسها لا يمكن لها تحمّل هذا الخطاب التطبيعي في هذا الوقت تحديداً. وتستغرب رغبة البطريرك في إعادة فتح هذا الملف الذي أثار جدلاً كبيراً في لبنان عقب زيارته الاراضي المحتلة، بدلاً من طمسه وتركه طيّ النسيان.
ويبدو أن أفكار قوى 14 آذار التي تخلى عنها أصحابها أنفسهم، تحظى اليوم بإعجاب البطريرك واهتمامه، وهو ما ظهر جلياً خلال مقابلته أول من أمس في برنامج «كلام الناس»، إن كان في الجزء المتعلّق بموقفه السلبي من رئيس الجمهورية ميشال عون، أو رؤيته الخاصة لسلاح حزب الله. في الشق الأول، تردّ مصادر مقرّبة من بكركي هجوم الراعي على عون الى ثلاثة أسباب: أوّلها وأكثرها أهمية أن علاقة بكركي برئيس الجمهورية القوي لم تكن يوماً على ما يرام. واليوم يعيد التاريخ رسم الصراع نفسه الذي كان قائماً أيام الرئيس الراحل كميل شمعون. فالنظرية تقول إنه عندما يصبح الزعماء الموارنة أقوياء يضعف تلقائياً دور البطريرك، وهو ما حصل فعلياً منذ وصول عون الى بعبدا، إذ غاب وهج بكركي كلياً، ولم تعد مقصداً لا لحلّ الخلافات بين القوى المسيحية ولا لتكون عرّابة القانون الانتخابي. لا بل أقرّ قانون جديد من دون حتى الوقوف عند رأي الكنيسة المارونية.
السبب الثاني يتعلق بالفساد الذي يأكل مؤسسات الدولة والوجود المسيحي، إذ تؤكد المصادر أن الراعي لا يرى اليوم أي مكافحة للفساد، أكان من عون أم من حزبه السياسي. وذلك يؤثر سلباً على المسيحيين ويسهم في تسريع هجرتهم نهائياً الى الخارج، ما يؤدي الى انخفاض الوجود المسيحي أكثر فأكثر.

مصادر التيار: الراعي انضم الى جعجع والجميّل في محاولة سرقة وهج العهد، بطلب خليجي

أما السبب الثالث، فضمنه عتب على عون شخصياً لتضحيته بكتلة نواب كبيرة لضمان مصلحة فرد واحد. فوفقاً للبطريرك، تتابع المصادر، لن يتمكن التيار في الانتخابات المقبلة من تشكيل كتلة كالتي كان يتمتع بها، وذلك كله بسبب سياسته الخاطئة التي ينتهجها لضمان فوز رئيسه مهما كان الثمن. ومن شأن ذلك أن يضعف الحضور المسيحي في المجلس. لكنه من جهة أخرى مرتاح إلى نقطتين رئيسيتين، إحداها أن الزخم المسيحي عاد الى الدولة، والأخرى إشراك المغتربين في الانتخابات اللبنانية.
وهنا للتيار الوطني الحر رأي آخر في ما تطرق اليه الراعي في المقابلة، وترى مصادره أنه كان لا بدّ للبطريرك من تقديم أوراق اعتماده الى السعودية قبل زيارتها، وذلك لا يخرج عن إطار انضمام الراعي الى رئيسي كل من حزب القوات سمير جعجع، وحزب الكتائب سامي الجميل، في سرقة وهج العهد وتحجيم إنجازاته، بطلب خليجي بالطبع. وتذهب المصادر أبعد من ذلك لتقول إن زيارة البطريرك في هذا الوقت الى الرياض موجهة ضد رئيس الجمهورية، إلا إذا كانت رعوية خالصة، وذلك مستبعد، لعدم وجود أي كنيسة في السعودية، ولأن مجرد الحديث في السياسة والوقوف مع فريق ضد آخر يجعلانه يخلع العباءة الدينية ويزجّه في سراديب السياسة؛ وبالتالي بات يتصرف كسياسي ويصح أن ينتقد ويُنتقد.
في موازاة هجوم بكركي على بعبدا، هجوم آخر على حزب الله واتهامه ضمنياً أنه غير لبناني، بل امتداد للحرس الثوري الايراني، مشيراً الى أن هناك تأثيراً للحزب وإيران في القرار اللبناني، وذلك يعيق قيام الدولة القوية القادرة. وتؤكد مصادر مطّلعة أن الراعي ينطق بلسان الأميركيين والاوروبيين. فالمطلوب اليوم محاصرة الحزب وخلق منصة مسيحية ضده لتقف في وجه حماية عون والتيار الوطني الحر ضمنياً له من دون أي معارضة فعلية من أحد. «يبدو أن القرار اتخذ خارجياً بإعادة فتح الجبهات في لبنان بعد أن فشل الرهان على عون في محاصرة حزب الله لإنهاء وجوده وتجريده الشرعية التي يستقوي بها»، تختم المصادر.