«خطة السلام» في الشرق الأوسط للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي يحلو للبعض تسميتها «صفقة القرن»، هي في المرحلة الأخيرة من الإعداد، ولا ينقصها ــ كما يبدو ــ إلا إقرار من السلطة الفلسطينية بإنهاء القضية بأبخس الأثمان. الخطة، التي يقودها صهر الرئيس ومستشاره، جارد كوشنر، لا تتعلق، وإن كانت كذلك بالشكل، بالتسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بل بصورة أساسية وأولى بتمكين «الدول العربية السُّنية» بقيادة السعودية من إعلان حلفها مع إسرائيل.
ما ينقل حول «الصفقة» وما يتسرب عنها، وكما يبدو على نحو مقصود وكجزء من التمهيد والإعداد وتهيئة الرأي العام لها، كفيل بتحديد أهم مكوناتها. وهي «الصفقة» المستندة أساساً إلى الشراكة بين إسرائيل والسعودية في المصالح والأهداف والتطلعات، وكذلك على تراجع مكانة وأهمية، بل وجود، القضية الفلسطينية والقدس على جدول الأعمال الرسمي العربي.
ضمن الإشارات والتسريبات، كشفت «القناة 12 العبرية» (الثانية سابقاً)، ما قالت إنها مبادئ «خطة السلام» للرئيس الأميركي التي يعمل وفريقه على بلورتها، ووفق مصادر في إسرائيل، فإن «ترامب سيقترح إقامة دولة فلسطينية، لكن ضمن شروط: ألّا تكون مبنية على حدود عام 1967، وبلا إخلاء للمستوطنات، ومن دون التطرق إلى القدس أو تقسيمها، وكذلك نقل السفارة الأميركية إليها، مع إبقاء الجيش الإسرائيلي مرابطاً على ضفاف نهر الأردن، وواشنطن ستؤيد كذلك معظم المطالب الأمنية الإسرائيلية في ما يتعلق بالضفة الغربية». وطبقاً للمصادر ذاتها، فإنها مبادرة «خلافاً لجميع المبادرات الأميركية السابقة، وتحديداً إدارتي الرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما».

من المتوقع أن يحسم
الرئيس الأميركي قراره
في آذار المقبل


لكن الأهم، من ناحية واشنطن وتل أبيب، وكذلك في السعودية، أن المبادرة الأميركية لـ«تضييع» القضية الفلسطينية تأتي بمباركة من الدول العربية المعتدلة ضمن «صفقة القرن» الكبرى، وكخطوة إقليمية شاملة تقودها السعودية عبر دعوة الدول العربية الأخرى للمشاركة فيها.
وتقضي الخطة الأميركية بمبادرة «الدول العربية السنية» إلى ضخّ مئات الملايين من الدولارات بغرض التنمية إلى السلطة التي لا يمكنها نتيجة الضغوط إلا قبول التسوية كما هي، رغم أنها تبتعد أشواطاً، كما يبدو من التفاصيل المسربة عنها، عن الحد الأدنى الذي يمكن السلطة قبوله، رغم كل تنازلاتها وتضييعها للحقوق الفلسطينية.
وبحسب الخطة الأميركية، تنوي إدارة ترامب تسويق المبادرة كخطوة إقليمية شاملة لا تتعلق بالطرفين فقط: إسرائيل والفلسطينيين، بل أيضاً بالدول العربية مثل السعودية «التي تعدّ المحور المركزي ورافعة الضغط الثقيلة التي ستستخدم على أبو مازن».
هذا التسريب، كما يرد في تقرير القناة الإسرائيلية، يؤكد تفسير زيارة محمود عباس إلى الرياض قبل أيام، بعد تلقيه دعوة عاجلة من ولي العهد محمد بن سلمان، وتخييره كما ورد في الإعلام العبري، بين القبول بالمبادرة الأميركية كما هي مع كل ما يرد فيها من تنازلات، أو الاستقالة من رئاسة السلطة لإيجاد بديل يقبل هذا القدر من التنازلات.
مصدر رفيع في إدارة ترامب كاد أن يؤكد التسريبات كما وردت على القناة الإسرائيلية، في معرض نفيها. وفق صحيفة «هآرتس»، إذ أشار المصدر إلى أن «هناك تكهنات كثيرة وتخمينات حول ما نعمل عليه، وهذا التقرير هو أحد تلك التخمينات. ليس عرضاً دقيقاً، لكنه دمج إمكانات كثيرة وأفكار تطرح».
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وصف تقرير القناة 12 بأنه «تكهنات»، لكن في الوقت نفسه حرص على التعامل معه بجدية تستلزم منه إطلاق مواقف، إذ قال: «في ما يتعلق بالتكهنات التي أسمعها، فإذا عرض (ترامب) خطة ديبلوماسية، فالاعتبار الوحيد الذي سيوجهني سيكون المصالح القومية والأمنية لدولة إسرائيل». وأضاف في جلسة للمجلس الوزاري الإسرائيلي أمس: «في ما يتعلق بالخطة السياسية للرئيس ترامب، لا أعتزم التطرق إلى التكهنات الكثيرة التي سمعناها خلال نهاية الأسبوع، لكنني شرحت بشكل كامل لأصدقائنا الأميركيين أن المصالح الأمنية وغيرها من المصالح هي التي ستحدد الرد الإسرائيلي على خطة كهذه».
وكانت صحيفة «يديعوت أحرنوت» قد أشارت قبل أيام إلى أن الحراك الأميركي من أجل «خطة سلام» أميركية للشرق الاوسط، يعدها منذ أشهر صهر الرئيس كوشنير، وهي «تمضي على قدم وساق»، مضيفة: «يتعين على (إدارة) ترامب أن يقرر ما إذا كان سيمضي قدماً بقوة في تحقيق هذه الخطة، أو يتكون لديها انطباع أن لا أمل في تحقيقها فيتخلى عنها».
ومن المتوقع أن يتخذ قرار ترامب في آذار المقبل، وحتى هذا الموعد، على مبعوث ترامب إلى المنطقة، كوشنير، وكذلك حاكم السعودية الفعلي، ابن سلمان، إضافة إلى نتنياهو، بلورة الأسس والإمكانات، وكذلك الشروط وفرضها على الفلسطينيين، لإمرار الصفقة، الأمر الذي يسمح للجميع بإعلان سهل وسلس للحلف القائم فعلياً بين السعودية والدول العربية «المعتدلة»، وبينها وإسرائيل، الهدف الرئيسي لـ«صفقة ترامب».