لا شيء يقف بوجه ولي العهد السعودي، حتى الآن، في عملياته الداخلية ضد المنافسين سياسياً، والمليئين مالياً، ممن يجري عزلهم أو تجريدهم من ثرواتهم. أكثر من أسبوعين مرّ على عملية الاحتجاز للأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال والنافذين، ولم تنته الأزمة بعد، ليفتح الباب على تساؤلات بشأن كيفية إقفال هذا الملف وأفق الأزمة وتداعياتها التي بدأت تتظهّر اقتصادياً وسياسياً، برغم التصعيد الإعلامي والسياسي خارجياً، الذي أمّنه ابن سلمان كغطاء لإجراءاته غير المسبوقة في الداخل.
وتردد في الساعات الأخيرة أن الحملة بدأت تتوسع لتشمل عمليات «تطهير» داخل الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية و«الحرس الوطني»، يعتقد أن المستهدفين فيها هم الضباط من المحسوبين على الأميرين محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله. ونقلت وكالة «بلومبيرغ» عن مصدر سعودي أن نطاق حملة «التطهير» قد اتسع ليشمل الجيش والمؤسسة العسكرية، كاشفاً عن توقيف ما لا يقل عن 14 ضابطاً متقاعداً عملوا في وزارة الدفاع، إلى جانب ضابطين من «الحرس الوطني» بتهمة صفقات وعقود مالية «فاسدة»، ونفى المصدر توقيف ضباط قيد الخدمة الفعلية.

أصول القطاع
الخاص فقدت الكثير في المدة الأخيرة

وبحسب ما يتسرب من «المحاكمات الميدانية» في فندق الـ«ريتز كارلتون»، يبدو أن العملية أعقد بكثير مما ظن ابن سلمان. فمن جهة، ثمة «فضيحة» كشفتها عملية الاحتجاز المتسرعة، بيّنت أن أصول القطاع الخاص السعودي فقدت الكثير في المدة الأخيرة، وهي الآن في مستوى أقل من المتوقع، ومن جهة أخرى ثمة تماسك ومقاومة يبديهما بعض المحتجزين الذين يرفضون التنازل بسهولة عن ثرواتهم، مسلحين بتلويح بعض الدول التي تستضيف أصولاً مالية لهؤلاء برفض مصادرة حساباتهم لمصلحة حملة غير شفافة وغياب الأحكام القضائية الواضحة بحقهم.
لعل ما تقدم يشكل السبب الذي يقف خلف لجوء ابن سلمان، وفق تسريبات الصحافة الأميركية، إلى مفاوضات مع المحتجزين لعقد تسويات معهم. وقد نقلت وكالة «بلومبيرغ» عن مسؤول سعودي قوله إن إجراءات التسوية تشمل عدم إخضاع المحتجزين للمحاكمة، لقاء دفعهم مبالغ، وليس لقاء كامل ثرواتهم. والمتوقع من هذه المفاوضات «استرداد» ما بين 50 و100 مليار دولار.
أما صحيفة «ذا فايننشال تايمز» البريطانية، فقد توقعت أن تصل المبالغ المحصلة من صفقات التفاوض مع المحتجزين إلى 300 مليار دولار، ضمن تسويات تقضي بتنازل المعتقلين عن نسبة 70% من ثرواتهم. وفي الحالتين، يكون ابن سلمان قد قدم دليلاً إضافياً على عدم جدية الحملة، وارتباطها بما هو أبعد من مكافحة الفساد، خصوصاً بعد تزايد تحذيرات الخبراء الاقتصاديين من التأثيرات السلبية لأسلوب الحملة على قطاع الاستثمار الخاص.
إلا أن حسابات الأمير الشاب قد تكون مختلفة عن حسابات الربح والخسارة للدولة السعودية، إذا ما قيست على طموح ولي العهد الشخصي إلى اعتلاء العرش سريعاً. فعلى وقع حملة «التطهير»، تتصاعد التكهنات حول سيناريوات بلوغ ابن سلمان هدفه. تتضارب التسريبات بشأن قرب تنازل الملك سلمان عن العرش، بين مصادر سعودية تنفي ذلك في القريب العاجل، استناداً إلى عدم وجود سابقة مماثلة في السعودية، وبين متوقع لحدوثه في الأيام المقبلة، بناءً على معلومات تتردد خلف أسوار قصر اليمامة في الرياض. وفي التحليلات، يربط البعض بين حملة الإقصاء والاعتقالات المتزامنة مع تصعيد خارجي، وقرب اعتلاء ابن سلمان للعرش، لكون ما يجري تكراراً لسيناريو إقصاء محمد بن نايف عن ولاية العهد، حين جرى استخدام الأزمة الخارجية (مقاطعة قطر) كغطاء للانقلاب على الأخير. في المقابل، يرى آخرون أن ابن سلمان قد يلجأ إلى ابتكار مخرج غير اعتيادي، لقاء الاحتفاظ بدعم والده، من طريق الاستحواذ على لقب «الملك» والإبقاء على لقب «خادم الحرمين الشريفين» لسلمان بن عبد العزيز.
وبالعودة إلى حملة الاعتقالات، فقد كشف الكاتب السعودي جمال خاشقجي أن عملية التفاوض والتسوية تشمل أمراء ورجال أعمال غير موقوفين. وكتب خاشقجي على حسابه في موقع التواصل «تويتر» أنه «تجري الآن وبهدوء تسويات مليارية مع عدد من كبراء الأمراء غير الموقوفين يتم بموجبها تسديد مبالغ لوزارة المالية ونقل أسهم وممتلكات وأراضٍ للدولة»، في مؤشر على توسع «الابتزاز» ليطاول غير المعتقلين، مقابل عدم تعرضهم للاحتجاز. وفي تغريدة أخرى، كتب خاشقجي: «فتح ملف المساعدات الخارجية المليارية لدول شقيقة خلال العقد الماضي في الحرب على الفساد، ما من مليار أعلن إلا ونهش أحدهم حصة منه قبل استلامه».
(الأخبار)