لم تتضح بعد معالم المرحلة التي سيقبل عليها لبنان، في ظل إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري التريّث في تقديم استقالته، إذ تسيطر حال من الترقب على الساحة الداخلية، لناحية معرفة كيف ستتعامل القوى السياسية مع التطورات الجديدة. غير أن المسار الهادئ الذي اختار الحريري اعتماده يبشّر بانفراج محتمل.
هذا التريث منح لبنان المزيد من الوقت للخروج من الأزمة التي أقحمته فيها المملكة العربية السعودية، منذ ثلاثة أسابيع. فرئيس تيار المستقبل أكد قراره الاستمرار في العمل السياسي، وحفظ الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد، وفتح الطريق أمام حوار جدي، وصولاً الى بحث مصير الحكومة. رئيس الجمهورية لن يدعو الى طاولة الحوار، بل سيبدأ مشاورات مطلع الأسبوع مع مختلف المكونات السياسية، وستكون بداية مع حركة أمل «للبحث في مخارج لتداعيات الاستقالة، تبقي لبنان في دائرة الأمان، خصوصاً في ظل توقعات من غضبة سعودية جديدة غير متوقعة، بعد أن فشلت في تحقيق أهداف إجبار الحريري على الاستقالة».
ولفتت مصادر سياسية واسعة الاطلاع إلى أن المشاورات التي سيجريها عون بدءاً من الإثنين «ربما ستؤدي إلى إيجاد مخارج تتيح للحريري الاستمرار في رئاسة الحكومة. وإذا لم يتم الاتفاق على صيغة لـ«النأي بالنفس»، ترضي الجميع، فمن غير المستبعد إسقاط الحكومة، وإعادة تكليف الحريري من دون أن يؤلف حكومة». وتلفت المصادر إلى أن هذا السيناريو لا يزال مطروحاً، ويتضمّن تقريب موعد الانتخابات النيابية. وأكّدت أن كل المفاوضات تتم «تحت سقف استمرار الحريري في الحياة السياسية ملتزماً التسوية الرئاسية». وخلافاً لكل المعطيات التي تدل على هجمة سعودية جديدة ضد لبنان، جزمت المصادر بخفض السقف الخليجي في وجه لبنان، ربطاً بالموقف الأميركي والأوروبي والمصري الرافض لهزّ الاستقرار.
وكان الحريري قد تلقّى اتصالاً أمس من مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال هربرت مكماستر، الذي أكد له «تمسك بلاده باستقرار لبنان ودعمها للدولة ومؤسساتها الشرعية».
وفي السياق أعاد الحريري أمس رسم السقف الداخلي للمرحلة حين قال إن «الدول العربية لديها الحق في أن تحافظ على أمنها، ونحن لدينا الحق في أن نحافظ على استقرارنا وأمننا أيضاً». وجاء كلام الحريري خلال استقباله مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على رأس وفد كبير من مفتي المناطق والمحافظات، فلفت إلى أن «خيار التريّث يتيح في مكان ما فرصة لجميع الأفرقاء السياسيين للتأكّد من أنّ النأي بالنفس عن كل ما يحصل من حولنا هو السياسة الأساسية التي تحمي لبنان من أيّ مشاكل في المنطقة». وفي أول ذكر للمملكة العربية السعودية منذ عودته، أكد «أننا نريد أفضل العلاقات مع المملكة، وخصوصاً أنكم تعلمون ما قدّمته وتقدّمه للبنان».
هذا الهدوء في إطلاق المواقف انسحب على تصريحات دائرة الرئيس الحريري الضيقة، حيث أكد الوزير السابق غطاس خوري، في حديث تلفزيوني أمس، أن «خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كانت تتمتع بالهدوء وتفتح مجالاً للتفاهم، وهذا إيجابي، والعبرة في التنفيذ».
وفيما أشار إلى أن «الحريري عاش تجربة صعبة، مرة وقاسية»، أكد أن «له الحق في أن يقوم بمراجعة من حوله وبتغييرات قد تشمل قريبين وبعيدين عنه». وأشاد خوري بمواقف وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي «كان من أول المتصدين لغياب الحريري، ووقف معنا بكل محبة، وأكد دعمه في مساره».
وقد كان لافتاً أمس تعليق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، للمرة الأولى، على استقالة الحريري منذ بداية الأزمة. ففي حوار مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، قال إنه «يفضّل عدم مناقشة» أزمة رئيس الحكومة اللبنانية، مضيفاً أن «القضية تتمحور حول أن الحريري لن يستمر في توفير غطاء سياسي للحكومة اللبنانية، التي تخضع بشكل رئيسي لسيطرة حزب الله وطهران».
وفي موازاة ذلك، شدّد الرئيس عون على «أننا تمكنّا من تجاوز الأزمة، واستطعنا إعادة الأمور الى طبيعتها في فترة قصيرة، نتيجة الوحدة الوطنية»، داعياً إلى «عدم الخوف، فما من أزمات إلا وستُحل وفق مصلحة لبنان، ولن يؤثر علينا أحد في كل ما يتعلق بسيادتنا واستقلالنا طالما نغلّب مصلحة لبنان على ما عداها». وكان لافتاً أن عون كلّف وزير الدفاع يعقوب الصراف بالمشاركة في مؤتمر وزراء دفاع التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب في الرياض، شاكراً الملك سلمان بن عبد العزيز على الدعوة، قبل أن يعود عون ويطلب من الصراف إلغاء مشاركته، من دون معرفة الأسباب.