ستعيشُ صورة الفلسطيني إبراهيم أبو ثريّا طويلاً في الذاكرة الفلسطينيّة المُقيمة بين حدَّيْ المرارة والأمل. قلَّما تَوَلَّد الشعور بالضعف والقوّة معاً حيال صورة واحدة كما في صورة إبراهيم أبو ثريّا قبل «زحفه» الأخير على «طريق القدس».
إبراهيم أبو ثريّا هو صورةُ التخلّي والخذلان العربي كما صورة الإرادة الفلسطينية في ذروة تجلّياتها: «هذه الأرض أرضنا ومش رح نستسلم». كان الوقتُ ظهراً ناحية الشجاعيَّة شرقَ غزَّة. يُشعِلُ الفتية ناراً قرب «الحدود» ويتقدّمون نحو «موتهم المُشتهى» في مواجهة صَلَف «إسرائيل». وكان إبراهيم أبو ثريا، أوّلهم، يرفعُ شارة النصر وعلم فلسطين ويتلو أمام العالم رسالته الأخيرة: «أمريكا لازم تنسحب من القرار اللي عملتو و جايين نوصل رسالة إنو الشعب الفلسطيني شعب الجبّارين». قبل سبعة عشر عاماً، كان الفتى إبراهيم أبو ثريّا واحداً من «أطفال الحجارة» الذين أشعلوا انتفاضة الأقصى وكانت غزّة لا تزال تحت الإحتلال المباشر. تلك كانت البداية. لاحقاً كان لإبراهيم أبو ثريّا، وعلى مدى سنوات طويلة، «صولات وجولات» عديدة في مظاهرات «غلاف غزّة»، مروراً باجتياح البريج عام ألفين وثمانية وصولاً إلى الصورة الأخيرة.. وإلى الرَّمق الأخير. «الشاب جِدَع». هكذا يقول عنه رفاقه. إبراهيم أبو ثريا رجلٌ مُقاوم من الصف الأوّل. هكذا تقول الصورة. عينان ثاقبتان وحادّتان كعينَيّ نسر. يعرفهما القنّاص جيداً. العينُ بالعين إذاً. وإبراهيم أبو ثريّا هو تجسيدٌ لـ «أسطورة» الرفض الفلسطينيّ حتى لَو بنصف جسد وبكرسيٍّ متحرِّك! يُقال إنَّ أهل «مخيّم الشاطىء» في غزّة يعرفون إبراهيم أبو ثريّا «الإنسان الحُر وصاحب الشخصية المحبوبة». لكنَّ الصُورة الأخيرة للرجّل رافعاً علم بلاده قبالة «الموقع الإسرائيلي» حوّلته إلى «أيقونة» جديدة للنضال ضد الإحتلال وإلى «حنظلة» آخر من لحم ودم بات يعرفه كلّ العالم! إبراهيم أبو ثريا الذي لم ينتمِ إلى أيِّ فصيل فلسطيني كان فلسطينياً جداً ووَحدوياً وعربياً: «بدي أطلع عالعامود أرفع العلم». يقول الرجُل كلماته الأخيرة هذه في الزمان والمكان المناسبَيْن! هكذا إذاً، برصاصةٍ واحدة في الرأس كـ «أبطال» الأفلام وبأقسى ما تكون النهايات، مات أبراهيم أبو ثريا «العزيز النفس والعصاميّ جداً الذي لم يقبل صدقة أو منّة من أحد». (الآن تذكّرت السلطة الفلسطينية واجب القيام بإعالة أفراد أسرته الفقيرة). إنتهت «تراجيديا» إبراهيم أبو ثريا على «حدود غزة» وبدأت على الأرجح حكاية مشابهة في مكان آخر من فلسطين. «لا عُذر لأحد بعد إستشهاد إبراهيم أبو ثريا»، يقولُ إسماعيل هنية. فعلاً، لا عذر لأحد بعد الآن. ليس مهمّاً السؤال كيف تقدم إسرائيل بقتل رجُل مُقعد وأعزل وهي التي تُصرُّ في كلّ مرّة على تذكيرنا بصورتها الأصليّة القائمة على القتل دون حدود أو ضوابط. السؤال الأهمُ الآنَ وغداً: مَن يرفعُ العلم الفلسطيني فوق «القدس» عاصمة لفلسطين؟ إبراهيم أبو ثريا وقف أخيراً على قدمَيْه.. ماذا عن النظام الرسمي العربيّ المُقعَد؟