تتّسم زيارة نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، المرتقبة للكيان الإسرائيلي، خلال الأيام المقبلة، بخصوصية تتجاوز في أبعادها مجرد كونها امتداداً لزيارات مشابهة لها في مراحل سابقة. ومما يعزّز هذه الخصوصية، أن بنس يعتبر في واشنطن مهندس الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومن هنا لم يكن صدفة ظهوره خلف الرئيس ترامب لدى إعلانه بخصوص القدس.
وتعكس زيارته في ظل المواقف الأميركية المتوالية (الموقف من حائط البراق في كونه جزءاً من إسرائيل بعد إعلان القدس) إصراراً أميركياً على تجاهل ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية، إزاء القدس، ومحاولة لتكريس السقف السياسي الذي تسعى إدارة ترامب إلى فرضه في أي مفاوضات لاحقة.
وستشكّل الزيارة مناسبة إضافية لتعبير إدارة ترامب عن «تمسكها بالتزامها إزاء القدس عاصمة لإسرائيل»، وتحديداً بعد سيل ردود الفعل الدولية والإقليمية. ومع أن مثول بنس أمام الكنيست لإلقاء كلمة مفترضة، سيشكّل منصة لإطلاق مواقف داعمة لإسرائيل في مقابل الحراك الشعبي الفلسطيني والمواقف التي توالت بعد إعلان القدس. لكن زيارته لحائط البراق، في هذا التوقيت بالذات، ستختلف في رسائلها عن كل زيارات المسؤولين الأميركيين لهذا المكان، وهو ما سيشكّل تحدياً إضافياً للإرادة الفلسطينية، تحديداً، على المستويين الرسمي والشعبي. مع ذلك، لا يستبعد مراقبون إسرائيليون، بالاستناد إلى تجارب سياسية سابقة، «وجود اتصالات أميركية مع الفلسطينيين من وراء الكواليس، انطلاقاً من أن السلطة تدرك أن لا بديل للولايات المتحدة كوسيط في عملية التسوية»!

كان يفترض أن تكون الزيارة تتويجاً لمسار
بدأ مع إعلان ترامب


تجسّد هذه الزيارة طموحات حكومة بنيامين نتنياهو، خاصة أنها تتناغم في دلالاتها مع سياساتها المتشددة على مسار التسوية مع السلطة الفلسطينية. على هذه الخلفية، أتى ترحيب نتنياهو، أمام جلسة الحكومة، لقدوم الضيف الأميركي، «بحفاوة بالغة». ووصفه بأنه «صديق عظيم لدولة إسرائيل وصديق عظيم لمدينة القدس». وإدراكاً منه للرسائل الكامنة في هذه الزيارة وما سبقها من خطوات ومواقف، عبّر نتنياهو عن «تقديره الخاص للرئيس ترامب وإدارته على عزمهما وزعامتهما في الدفاع عن الحقيقة الخاصة بإسرائيل، وعلى حزم تصديهم للمحاولات الهادفة نحو استخدام الأمم المتحدة منبراً لمجابهة إسرائيل وعلى تأييدهم العام لنا».
بحسب رهانات الأميركيين والإسرائيليين، وآمالهم، كان يفترض أن تكون الزيارة تتويجاً احتفائياً لمسار بدأ مع إعلان ترامب، ومدخلاً لترتيب مفاعيله السياسية، بما ينسجم مع ما كان مخططاً. لكن ردود الفعل الفلسطينية والعربية، ومعهما الاستياء الدولي من هذه الخطوة، حالت دون هذه الآمال، وهو ما انعكس أيضاً في تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي باتت «تجد صعوبة في القول إلى أين يتجه مسار العنف، إلى خمود أو إلى تجديد نحو تصعيد»، كما نقلت صحيفة «معاريف». ومع أنهم في المؤسسة الأمنية ما زالوا يتمسكون بفرضية أن كلّاً من حماس والسلطة غير معنيتين بمواجهة واسعة مع إسرائيل، وهو ما يشكّل أساس تقديراتهم التي تستبعد مواجهة واسعة. لكنهم في الوقت نفسه، يخشون ما يسمونه «حسابات خاطئة» لدى حركة حماس وفصائل المقاومة، وهو ما يعني أنهم باتوا يرون أن مسار الاحتجاجات الفلسطينية، بمختلف مستوياتها، تتواصل تصاعدياً، ولا يرون حتى الآن إمكانية انكفائها. رغم ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هناك رهانات يُعبَّر عنها، هنا وهناك، حول إمكانية حصول ضغوط إقليمية تهدف إلى احتواء الاحتجاجات الشعبية، وكبح الموقف الفلسطيني المعارض.
في هذه الأجواء، لم تعد زيارة نائب الرئيس الأميركي محطة تقليدية في سياق العلاقات العامة بين الطرفين، بل محطة في سياق تصعيدي أميركي، لا يقتصر فيها طابع التحدي على زيارة حائط البراق، بل إن الحديث المتواصل عن مساعي دفع التسوية انطلاقاً من الوقائع المفروضة في القدس، يشكّل إصراراً على محاولة كسر الإرادة الفلسطينية والعربية، بمن فيها السلطة الفلسطينية، وزرع اليأس في نفوس الشعب الفلسطيني من إمكانية تحقيق أي نتائج مرجوة على هذا الصعيد.