عزَّزت تحذيرات رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من التصعيد العسكري في مواجهة قطاع غزة، بأن نشر تقديرات الجيش التي قدَّمها أمام المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) قبل أيام، كان تعبيراً عن مخاوف جدية باتت أكثر حضوراً في المؤسستين السياسية والأمنية الإسرائيلية، وهو ما انعكس أيضاً بمزيد من الاستعدادات لدى مستوطني «غلاف غزة». وقد يكون في التركيز الإعلامي والسياسي على هذه الأجواء جزء من عملية بناء مشروعية تبرر شن اعتداءات واسعة ضد القطاع، في حال تطور الوضع الميداني.
مع ذلك، يعمد المسؤولون الإسرائيليون إلى استخدام هذه التقديرات كجزء من أدوات الضغط التي يمارسها كيان العدو ضد غزة، بعد حالة التوتر التي شهدها منذ الإعلان الأميركي الأخير أن القدس «عاصمة لإسرائيل». ويهدف تبرير نتنياهو بشأن أن خطر التصعيد ينبع من كون إسرائيل لن تتحمل أي «تصعيد من حماس» إلى محاولة تقديم الطرف الفلسطيني كأنه هو الذي يسعى إلى جر المنطقة إلى مواجهة عسكرية واسعة. وللغاية نفسها، مهَّد نتنياهو على نحو مدروس وهادف للقول إن إسرائيل «ستستخدم كل الوسائل من أجل الدفاع عن سيادتنا وأمننا».
نتنياهو استغل مناسبة تخريج دورة طيارين لتوجيه رسائل في أكثر من اتجاه يتصل بما يواجه إسرائيل من تحديات في الجنوب والشمال والوسط. فعلى مستوى الشمال، كرر أن «إسرائيل لن تسمح لإيران بالتمركز في سوريا من أجل المس بنا». وفي مواجهة القطاع، حمَّل المسؤولية مسبقاً لقوى المقاومة إزاء أي تصعيد، معتبراً أن قرار الهدوء في غزة «مرتبط بالمنظمات هناك، ولن نسمح لحماس بخرق هدوء سكان الجنوب».
وعامة، تأتي مواقف رئيس حكومة العدو «التهويلية» باتجاه القطاع في سياقين: الأول مهني والثاني سياسي داخلي. فعلى المستوى المهني، لم ينبع الكشف عن تحذيرات قادة الجيش من خطورة نشوب مواجهة عسكرية مع المقاومة في غزة من فراغ، لكنها لا تعني بالضرورة أن المواجهة باتت حتمية، فقد يكون من الطبيعي عرض مثل هذه التحذيرات أمام المجلس المصغر، لكنها عادة ما تكون كجزء من مروحة سيناريوات محتملة. لكن التشديد عليها في وسائل الإعلام له أهدافه المحدَّدة والمتصلة بخطة إدارة الصراع القائم. ضمن هذا الإطار، هدَفَ نشر هذا التقدير «المهني» إلى توجيه رسالة باتجاهين: الأول تقديم صورة عن الوضع القائم ومساراته أمام الرأي العام الإسرائيلي. والثاني، وهو الأهم، أنها أيضاً جزء من وسائل الردع التي تهدف إلى محاولة الضغط النفسي على الطرف الفلسطيني، وخاصة مع مقارنة المشهد الحالي بما كان عليه الوضع عشية الحرب الإسرائيلية على القطاع عام 2014.
اعتمد قادة الجيش، الذي استند إليه نتنياهو، في التعبير عن مخاوفهم وتقديراتهم إلى أن «تراكم الأحداث الأخيرة يذكّرنا جداً بالوقائع التي حدثت قبل الحرب الأخيرة على غزة» في 2014. ومع أنهم يسلمون بحقيقة أن «حماس غير معنية بمواجهة عسكرية واسعة في هذه المرحلة»، فإنهم لم يستبعدوا نشوب أحداث مختلفة تؤدي إلى هذا التصعيد المفترض. وينبع هذا التقدير من فكرة أن الوضع داخل غزة «متقلّب».
وبرز في المعطيات التي حضرت في تقويم الجيش أمام المجلس الوزاري وشكلت أساساً لهذا التقدير «الجمع بين الحالة الإنسانية المتفاقمة، وعدم دفع رواتب الموظفين في غزة وخيبة أمل الجمهور بشأن تعثر المصالحة إلى جانب تطورات قضية القدس». لكنهم أضافوا، كما ورد في الإعلام الإسرائيلي ما سموه حالة الإحباط في غزة نتيجة الخيبة من نتائج المصالحة بين «حماس» والسلطة. ومع أنهم لم يسهبوا في وسائل الإعلام كثيراً حول الاقتراحات التي تم تقديمها لمنع تصاعد هذا المسار، فإن إعلان أن «الشاباك» عارض اقتراح السماح لخروج العمال من غزة للعمل في المستوطنات المحيطة بالقطاع يؤكد تناول هذه القضية، وخاصة أن من المفترض حدوث عرض لمروحة من الخيارات خلال الجلسة بحثاً عن تعزيز عوامل منع التصعيد.
أما على المستوى السياسي الداخلي، فيشكل التصعيد مع القطاع، بتغطية مسبقة من المؤسسة العسكرية، فرصة مثالية لنتنياهو لحرف اهتمامات الرأي العام الإسرائيلي عن فضائح الرشوة التي تصدرت وسائل الإعلام خلال الأيام السابقة، وصولاً إلى الإعراب عن عدم خوفه من محاكمة عادلة، وهو ما يؤكد التسريبات الصحافية عن أن الشرطة تتجه نحو تقديم لائحة اتهام بحق نتنياهو، الذي توجه إلى حاخامات التيار الديني الصهيوني في محاولة لنيل تأييدهم، وسيمكنه ذلك من مواجهة الضغوط التي ستتوالى بعد تقديم الشرطة توصياتها. هكذا، لن يكون بالإمكان، في حال حدوث تصعيد عسكري ضد غزة بعد تقديرات الجيش التي تم تسريبها إلى الإعلام عن إمكانية تدهور الوضع الأمني على خلفية التصعيد، اتهام نتنياهو بأنه تعمد الدفع نحو هذا المسار لحسابات خاصة.