تتصاعد «حرب المرسوم» بين بعبدا وعين التينة، ولم تعد مجرّد أزمة عادية. أخطر ما فيها أن عدداً من القوى السياسية باتت تخشى انعكاسها على مجلس الوزراء، وإمكان وصولها إلى تعطيله. وتلفت المصادر إلى أن الرئيس نبيه بري يرى في مرسوم «الأقدمية» إخلالاً في التوازن الذي تُحكَم به البلاد، وأنه لن يتراجع عن موقفه، حتى لو وصل الأمر إلى اعتكاف وزراء حركة أمل عن المشاركة في جلسات مجلس الوزراء.
وتشير المصادر إلى أن اعتكافاً كهذا سيعطّل مجلس الوزراء. فبري مدعوم في موقفه الرافض للمرسوم من قبل حزب الله والنائب وليد جنبلاط الذي يرى في المرسوم انقلاباً على اتفاق الطائف، و«انتقاماً من كل الذين شاركوا في صنع الاتفاق وتطبيقه».
في المقابل، تستبعد مراجع سياسية أن تصل المشكلة إلى حد تعطيل مجلس الوزراء، من دون أن تخفف من خطورة الأزمة. وتعوّل هذه المراجع على سعاة الحل، وأولهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، المستمرين في مبادراتهم، والذين يبحثون عن خيارات جديدة لإحداث اختراق في جدار الأزمة الذي يزداد سماكة.
وفي ما بدا إعلاناً لفشل الوساطات، وإثر تصريح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من بكركي الاثنين الفائت بأن المرسوم قد صدر وبإمكان المعترضين اللجوء إلى القضاء، وبعد أقل من 24 ساعة على كلام رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي حسم رسمياً موقفه المعترض على مرسوم أقدمية لضباط دورة عام 1994 الذي صدر موقّعاً من رئيسي الجمهورية والحكومة من دون أن يحمل توقيع وزير المال علي حسن خليل، ترجم الأخير موقف بري عملياً. فقد رفض خليل أمس توقيع مراسيم ترقيات ​الجيش​ من رتبة عقيد إلى رتبة عميد ومن رتبة مقدم إلى رتبة عقيد «لاكتشاف مخالفات بتضمينها أسماء ضباط وردت أسماؤهم في مرسوم الأقدمية لدورة 1994»، وطلب توضيحات من وزارة الدفاع.

مصادر التيار: لا يمكن التراجع عن المرسوم... وقرار خليل ضرب للجيش


حمل هذا الموقف إشارة بالغة الأهمية، لجهة أن ما قاله الرئيس برّي كان بمثابة إعلان فشل للوساطات القائمة. وتشير معلومات «الأخبار» إلى أن «برّي أكد أمس، في لقاء الأربعاء، وجود الكثير من الأوراق بين يديه، لكنه لا يريد إعلانها، بل يُصر على إحاطتها بالسرية لتأمين تنفيذها». فيما لفتت مصادر عين التينة إلى «أننا مُتمسكون بموقفنا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا»، معتبرة أن «ما فعله وزير المال ليس كيدية سياسية بل خطوة دستورية». ولم تنكر المصادر أن «الخطوة تأتي في سياق الردود التي وضعناها وهي أول الغيث، وكل خطواتنا ستكون بالقانون». وأكدت المصادر أن «أي ترقيات أخرى أو أي مراسيم تحتاج لتوقيع الوزير خليل سيقوم بتوقيعها إن لم تتضمّن أي مخالفات». وأشارت في هذا السياق إلى «تحضير مطالعة قانونية ضد المرسوم، تستند في بعض نقاطها إلى قانون الدفاع، تحديداً المادة 47 منه»، التي تؤكّد أنه «يمكن منح الضابط أقدمية للترقية تتراوح بين ثلاثة أشهر وسنتين تقديراً لأعمال باهرة قام بها خلال عمليات حربية أوعمليات حفظ الأمن أو اشتباك مسلح في الداخل». وفي ظل السؤال عن أين يقف «حزب الله» في الاشتباك السياسي الدائر بين حليفيه، وهل يستطيع البقاء على الحياد من دون أن يزعج أحداً منهما، أكدت أن «موقف حزب الله مؤيد لموقفنا وإن لم نرَ حتى الآن أي ترجمة له، ونحن لم نطلب أي شيء منه، والعلاقة معه ليست قائمة على طلبات متبادلة، فهو يدرك ما الذي يجب أن يفعله».
وكان خليل قد لفت أمس إلى أن «لا نقاش بأنّ توقيع وزير المال أساسي على هذا النوع من المراسيم بغض النظر عمّن هو وزير المال»، وأعلن أن «الضعيف يذهب إلى القضاء، يعني أن من لديه حجة دستورية ضعيفة هو من يذهب للقضاء»، مشدداً على أن «التزام الأصول هو الحل». وقال: «واجباتنا تقدير الأثر المالي لأي إجراء تقوم به الدولة على المالية العامة، لم يرسل إليّ مرسوم الأقدمية ولو أحيل لكان النقاش اتخذ منحى آخر فلماذا أقدميات قوى الأمن عُرضت عليّ ووقّعتها في اليوم ذاته الذي وُقّع فيه مرسوم ضباط دورة 1994؟ إن كلّ مراسيم الأقدميات التي صدرت في العهود السابقة من دون توقيع وزير المال باطلة، وما بني على خطأ هو خطأ». وأكد أنه وقّع «مراسيم ترقيات ​ضباط الجيش العادية من 1 ــ 1 ــ 2018 و1 ــ 7 ــ 2018​، وفصل أسماء بقية الضباط المستفيدين من الأقدمية خلافاً للأصول عن الجداول».
في المقابل، أكّدت مصادر التيار الوطني الحر لـ«الأخبار» أن المرسوم صدر، ولا يمكن التراجع عنه، إلا إذا أبطله مجلس شورى الدولة، إن طعن به أحد الضباط المعترضين. ورأت المصادر أن قرار وزير المالية عدم توقيع الترقيات ضرب لمؤسسة الجيش وتضحياتها، وخاصة بعد الإنجازات التي حققتها المؤسسة، سواء على المستوى الأمني في مجال مكافحة الخلايا الإرهابية، أو على المستوى العسكري في عملية تحرير الجرود.
في هذا الإطار، أشار مستشار رئيس الجمهورية ​جان عزيز،​ إلى أنّ ما حصل في مرسوم «دورة ضباط عام 1994» مندرج تماماً تحت الأحكام القانونية، ولا يتعارض مع أي عرف، خاصة مع ​اتفاق الطائف​، ورئيس الجمهورية ​ميشال عون​ متمسك بنظام الطائف بشكل حرفي. ولفت، في حديث إلى قناة «أل بي سي آي» إلى أن هناك أكثر من 60 مرسوم ترقية منذ الطائف إلى اليوم لا يحمل توقيع ​وزير المال​، فهل تعتبر هذه المراسيم باطلة؟ وشدد على أن صاحب الحق من يلجأ إلى القضاء، قائلاً: «لا أعتقد أن الرئيس برّي لا يثق بالقضاء، لأنه ابن القضاء وابن قوس العدالة في لبنان».
وقد كان بارزاً أمس أول تصريح رسمي لتيار المستقبل تعليقاً على أزمة المرسوم، على لسان النائب ​محمد قباني​، الذي أكد حرص الرئيس سعد الحريري على أن تبقى العلاقة إيجابية مع رئيس مجلس النواب​، وهو ما يعكسه موقف الحريري بأنه لم يدخل في الخلاف الكلامي بين الرئيس وبري، وتريث في نشر مرسوم الأقدمية للضباط موضوع الخلاف، ما يشير إلى أنه يسعى إلى حل لا يغضب بري. ورأى قباني أن موقف الأخير «مفهوم ويتعلق بالصلاحيات في ما خص توقيع ​وزير المال​ على المرسوم».




الحسيني: المرسوم لا يُطبّق قبل نشره

رأى رئيس مجلس النواب​ السابق ​حسين الحسيني،​ أن المشكلة بين عون​ وبري​ «تأتي على حساب هيبتهما والحل لا يكون إلا بالعودة إلى ​الدستور​ والمادة 54» (تنص المادة 54 على وجوب أن يشترك مع رئيس الجمهورية في التوقيع على المراسيم «رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة. أما مرسوم إصدار القوانين فيشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة». ولفت الحسيني في حديث إلى قناة «أل بي سي آي» إلى أن «كل تغيير في الرتبة يتضمّن تغييراً في الراتب»، ما يعني أن الأقدمية ترتّب أعباءً مالية. واستغرب الحسيني الفكرة التي يجري تداولها بشأن تطبيق المرسوم قبل نشره في الجريدة الرسمية، معتبراً أن استناد قيادة الجيش إلى مرسوم لم يُنشر في الجريدة الرسمية مخالف للقانون. وذكّر بقانون صادر عام 1997 ينظّم أصول نشر المراسيم والقوانين في الجريدة الرسمية.