ــ العملية التركية للقضاء على المعقل الكردي الأهم غرب الفرات في عفرين، قد تتخذ تسمية لها خلال أيام. اسم «منتظر» منذ الصيف الماضي، قد يكون «سيف الفرات» إثر تمركز قوات تركية خاصة في جبل بركات الاستراتيجي المشرف على أرياف المنطقة. تهديدات الرئيس رجب طيب أردوغان، علت نبرتها قبل يومين إلى حد التهديد بسحق «وحدات حماية الشعب» الكردية.

القوات المكلفة تنفيذ هذه التهديدات استكملت استعداداتها لإطلاق هجوم وشيك بعد تجميع القوات الخاصة التركية نواةً للوحدات المهاجمة والتي ستضمّ بقايا «درع الفرات»، ومجموعات من الفرق ١٠١ و١٠٥ و١٠٦ درّبها الأميركيون في الماضي في قاعدة «أنجيرلك»، وبعض قوات العشائر، بحسب مسؤول عشائري عربي في غازي عنتاب. العد التنازلي للصدام مع القوات التركية يتعزز لدى الأكراد أنفسهم، إذ يقول الناطق الإعلامي باسم القوات الكردية في عفرين، روجهات روج، إن «الأتراك قد يطلقون هجومهم خلال أسبوع». الأتراك يستعجلون العملية غرب الفرات، إذ يمكن التحرك من دون الاصطدام بالأميركيين وحيث لا وجود لقواعد أميركية ولا لاستراتيجية لواشنطن غرب النهر ولا في إدلب، على ما قاله وزير الدفاع جيمس ماتيس في مؤتمر صحافي لقيادة الأركان الأميركية الشهر الماضي. وقد يتحرك الأتراك بعد بروز مؤشرات متزايدة عن اتجاه الولايات المتحدة لمنح المزيد من الدعم الدبلوماسي بعد العسكري، للمشروع الكردي الفيدرالي في سوريا، تحتل فيه عفرين الجناح الغربي لـ«كانتون» مرشح للتمدد نحو المتوسط كما يعتقد الأتراك، وهو ما يردده أردوغان. وهو تغيير جذري مقلق في موقف «البنتاغون» الذي كان دائم التركيز على العملية العسكرية ضد «داعش»، وفصلها عن أي بعد سياسي أو مشروع كردي. أشعل الغضب التركي مجدداً، مصافحة ماكس مارتن، ممثل الولايات المتحدة في اجتماعات أستانا، ألدار خليل القيادي البارز في «حركة المجتمع الديموقراطي»، وللقياديين بدران جياكرد وفوزة يوسف. الأكراد سلّموا الأميركيين رسمياً مطالبهم بإنشاء نظام فيدرالي في سوريا. ويقول قيادي عشائري عربي إنّ الأتراك يخشون كما أبلغوهم أن تعترف الولايات المتحدة بالمشروع الكردي، وأن تضغط على بلدان عربية وأوروبية أخرى لتقوم بذلك.
وإذا كان غرب الفرات، حيث لا أهداف رسمياً ولا وجود لواشنطن وللتحالف الدولي، مرشحاً لتفاهم أميركي ــ تركي ثمنه المحتمل أن تعفّ الولايات المتحدة عن إسقاط عفرين بيد الحليف التركي لاحتواء غضبه من دون أن يمنع أربعة آلاف مقاتل كردي في عفرين من القتال حتى النهاية ولو تخلى عنهم الأميركيون، كما يقول روجهان روج، إلا أن الصدام واقع لا محالة شرق الفرات حيث تتكثف الاستراتيجية الأميركية في سوريا والتحديات للأمن التركي التي تثير غضب أردوغان ووعيده بدخول عفرين حتى ولو تصدى له الأميركيون.
فبعد استنفاد ذريعة محاربة «داعش» إثر هزيمته في الرقة ودير الزور للانتشار في وادي الفرات واحتلاله، بات الهدف المعلن للأميركيين مواجهة نفوذ إيران وحلفائها في سوريا شرقي النهر، وصولاً إلى الحدود العراقية، والعودة مجدداً للإشراف على طريق طهران - بغداد - دمشق - بيروت.
الأتراك أصغوا أيضاً بقلق لمساعد الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الاوسط، ديفيد ساترفيلد، وهو يقول أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ قبل أيام «إن الولايات المتحدة قلقة بشدة من أنشطة إيران ومن قدرتها على تعزيز هذه الأنشطة لنقل إمكانيات عسكرية إلى سوريا». إذ لا تزال واشنطن تعتبر أن سوريا ساحة رئيسية لاحتواء إيران في الشرق الأوسط، كما قال جيمس ماتيس بعد تولي فريق الإدارة الجديدة مقاليد البيت الأبيض.
وفي سياق المؤشرات نفسها، أتى تشكيل الجيش الوطني الجديد شرق الفرات. والمرجح أن يضم الجيش الذي يعيد الأميركيون بناءه على القواعد نفسها التي حكمت إنشاء «قوات سوريا الديموقراطية»، أي تغليب الحضور والقرار الكردي بكوادر خبيرة ومجرّبة من «ثلاثين ألف مقاتل»، نصفهم من أبناء العشائر العربية في وادي الفرات. إن التجاذب الأميركي ــ التركي في سوريا سيبقى ما بقي المشروع الكردي خط تماس. فحاجة الأميركيين إلى العامل الكردي لا فكاك منه، ما استمرت سوريا ساحة مواجهة واحتواء لإيران، ومنع روسيا من الانفراد بالعملية السياسية. وهي حاجة متبادلة مع الأكراد الذين لن يتخلوا عن الأميركيين قبل نضوج تسوية لمصلحتهم ولمنع عودة دمشق إلى المناطق التي دخلوها بالتحالف مع المظلة الجوية والإمداد الأميركيين. كما أن المظلة الكردية ستظل حيوية لبقاء الأميركيين في سوريا، ومنها أيضاً يستمد الأميركيون قوتهم لرفض أي حل سياسي، ومعارضة اجتماعات سوتشي كما قال ساترفيلد، لأنها تكرس الانفراد الروسي أساساً، وإلى حد ما التركي، والإيراني لرعاية الحل السياسي، كما ترفض أي حل يدمج الأكراد في أي عملية سياسية، تنزع منهم ورقة البقاء في وادي الفرات والشمال السوري، وهو ما لا تضيره كثيراً عفرين، إذا ما سقطت بيد الجيش التركي، بعيداً عن وادي الفرات.