سيُقال لاحقاً «ما بعدَ فيديو باسيل» وما قبله. ستأتي الإنتخابات النيابية في أيار (مايو) المقبل وستحمل معها سجالات كثيرة، سياسية وغير سياسية، وربما تليها «مصالحات» أو «تسويات» على الطريقة اللبنانية التقليدية.
لكنَّ «فيديو باسيل» الذي سُرّب للإعلام، سيظلّ على الأرجح متصدّراً قائمة «الأكثر مشاهدة» لبنانياً ولفترة زمنية طويلة. هكذا إذاً وقع رئيس «التيار الوطني الحُر» في «فخ» كاميرا جهاز «آيفون» أو «سامسونغ» في بلدة «محمرش» البترونية. وسواءً كان على عِلم بأنّ تصريحه الذي سيدخل التاريخ مصوَّراً أم لا، فإنه كاد بالأمس أن ينقل الصراع السياسي والإعلامي المفتوح أصلاً بين تيارين سياسيَّيْن كبيرَيْن إلى «الشارع» بما تحمله هذه الكلمة من دلالات سلبية اختبرها اللبنانيون في مراحل متعددة. ورغم أن المواطِنة اللبنانية التي صوّرت الفيديو (واستغربت تسريبه للإعلام!) قالت في مقابلة تلفزيونية إنّ أحداً لم يمنع الحاضرين في اللقاء من استخدام هواتفهم الجوّالة، فإنّ طريقة التصوير تُظهِر أنه صُوّر خلسةً. وعلى الأرجح فإنّ الوزير باسيل تفاجأ بالتسريب لاحقاً حتى لو أصرَّ على مضمون كلامه السياسي. إنها تكنولوجيا «الهواتف الذكيّة» إذاً. لن يبقى أحد بمأمَن من الوقوع في أفخاخ مشابهة في المستقبل. أخيراً، تحوّلت حركة غير لائقة صدرت من الإعلامي مرسيل غانم في حلقة إذاعيّة إلى «حدث». لم يكن غانم حينها يعلم أن الحلقة منقولة بالصوت والصورة عبر خدمة «فايسبوك لايف». لاحقاً قدّم غانم تبريراً هزيلاً، وبالأمس أبدى باسيل أسفه مقدّماً تبريراً غريباً. ليقُل الوزير باسيل ما يشاء في السياسة وهذا حقّه. لكن الكاميرا لا تغفر «هفوات» أو «زلات» من هنا أو هناك وهي ليست مسؤولة عن ذلك أصلاً. فكيف إذا تحوّل كل مواطن إلى «كاميرا دائمة ومتنقّلة»؟ قد يأتي تسريب الفيديو إيّاه في سياق سياسي معروف لاستغلال أزمة سياسية بين «رئاستين» و«تيارين»، لكنّ ذلك ما كان ليحصل لولا وجود «هاتف ذكي» في لقاء يفترض أنه غير منقول إعلامياً. باتت التكنولوجيا إياها في متناول الجميع وهي على الأغلب «تحاصِر» الجميع. ليس سرّاً أنّ ما يقال في الإجتماعات المغلقة عند سائر القوى والتيارات السياسية بحق القوى الأخرى، يفوق بكثير ما قاله الوزير باسيل في الفيديو الأخير المسرَّب. لكن ما كان في السابق يُعدّ أسراراً أو «مجالس بالأمانات» في «الغرف المغلقة» ويُعاد الكشف عنه لاحقاً بهدف الإبتزاز السياسي (ما يحصل في عالم الفن والإعلام يتجاوز بأضعاف ما يجري في صالونات السياسة) صار من الصعب أن يبقى كذلك. لا «حصانة» من التسريبات بعد الآن في ظل توفّر الكاميرا بين أيدي كل الناس من دون استثناء وقد باتت مردافاً بشكل أو بآخر لمصطلح «الفضيحة». حتى الجريمة وحالات الإنتحار المتزايدة صارت منقولة بالصوت والصورة أيضاً. عاش الرئيس نبيه بري قرابة أربعة عقود من العمل السياسي ولم يتصوّر أن يأتي يوم يقول له أحد من السياسيين «بدنا نكسرلوا راسو». إنه عصر «الهواتف الذكيّة» لن ينجو منه أحدٌ بعد الآن!