دمشق | أيام من التصعيد الناري المتواصل على العاصمة السورية، لم يشهده أهلها منذ مقتل زهران علوش، القائد السابق لـ«جيش الإسلام»، والملقب من قبل مدنيي الأحياء المستهدفة عشوائياً باسم «نيرون دمشق». القذائف وزّعت الموت بالتساوي على أحياء باب توما ودويلعة والعمارة والأمين، وصولاً إلى أطراف دمشق في عش الورور وضاحية حرستا. غير أن التصعيد الأبرز كان في سقوط قذائف صاروخية على المزة، جنوب العاصمة، ليتفاجأ سكان المنطقة باستهداف أحياء لم تُستهدَف سابقاً.
وخلال نهارات دمشق الدامية لم تتوقف الحياة عن سيرها، على الرغم من سقوط قذيفة على حافلة تقل مدنيين يمضون إلى أعمالهم، من سكان باب توما، ما أفضى إلى استشهاد شخص وإصابة 7 آخرين. توالي سقوط القذائف على أحد الأحياء، لم يمنع فريقاً فنياً من تصوير فيلم سينمائي حتى انتهاء اللقطات المطلوبة أمس. وبالتوازي، يستمر قدر المناطق المحيطة بحرستا في مواجهة الموت اليومي أيضاً. قذيفة سقطت في محيط مشفى الشرطة، أودت بحياة شخص وجرحت آخرين. ما يزيد على 130 قذيفة خلال أسبوع واحد، أمطرت العاصمة السورية، في خطوة يصفها القادة الميدانيون كتصعيد من المسلحين لرفع معنويات مقاتليهم والضغط على القاعدة الشعبية للجيش، بهدف إيقاف عملياته على جبهات متعددة نحو الغوطة الشرقية.
وإن كانت الحكاية كلها الضغط لإيقاف عمليات الجيش على جبهاته المفتوحة باتجاه الغوطة الشرقية، فإن البعض يراها ضرباً لأي هدنة ضمنية أو تسوية محتملة. ومع ذلك، يكثف الجيش رماياته النارية على مواقع المسلحين في محيط دمشق، من دون أن يتأثّر ذلك بالضباب الذي يسيطر على أجواء الريف الشرقي للعاصمة. مواقع المسلحين في مزارع الرمان وعربين ومحيط إدارة المركبات من جهة مديرة والعجمي في حرستا، إضافة إلى المحور الخلفي لمشفيي حرستا والبيروني ومدرسة الخدمات الطبية والبساتين الواقعة بين حرستا ودوما، هي أهداف نيران الجيش، التي واصل استهدافها عبر المدفعية وسلاح الجو. وأتى ذلك بالتوازي مع تقدم بري لعناصر الجيش نحو مدينة عربين، إذ سيطر على عدد من المعامل، قرب مبنى النفوس، شمال شرق منطقة الغبير، بعد مواجهات عنيفة مع مسلحي «هيئة تحرير الشام» و«حركة أحرار الشام». ولفت مصدر ميداني إلى أن الجيش شن معركته في حرستا على أكثر من محور، من بينها: محور عربين وآخر عبر محيط إدارة المركبات، إضافة إلى المحور الخلفي للمشافي، من خلال المزارع الفاصلة بين دوما وحرستا.

يحرّك الجيش المعارك على عدد من المحاور في حرستا

ويضيف المصدر أن توسيع رقعة العمليات العسكرية هو تكتيك استخدمه الجيش لتشتيت المسلحين، عبر اختراقهم سريعاً، باستخدام الآليات الثقيلة والقوة النارية الهائلة. يأتي ذلك بعد حملات استطلاع مكثفة لقوات الجيش في المنطقة، استهدفت دراسة خطوط إمداد المسلحين وتركز نقاط انطلاق هجوماتهم المتكررة وطرق إخلاء مواقعهم. ومن الجدير بالذكر أن طوقاً نارياً فرضته وحدات الجيش على المسلحين، عبر سلاح الجو والمدفعية، لإجبارهم على التراجع نحو الخطوط الخلفية، على الرغم من كونها مساحات نزاع في ما بين فصائلهم المتعددة المرجعيات، وفق المصدر الميداني. ويتابع المصدر قوله: «الطوق يضيق على المسلحين الواقعين في حالة إرباك. تقدم قواتنا متقطع بسبب تداخل مناطق المناورة وصعوبة الحركة، وسط ضغط دفاعي تكفله لهم شبكات الأنفاق التي تربط بين مقار قياداتهم وأبنيتهم». غير أن المصدر متفائل بفرض الجيش معادلته من خلال توسيع رقعة الاشتباك، ما يمنع المسلحين من التمركز في أماكنهم وتحصينها، الأمر الذي يتيح للجيش تمركزاً آمناً في نقاطه الجديدة. وتتوازى العملية العسكرية في حرستا مع توسيع الجيش حدود جبهاته في منطقة القطاع الأوسط من الغوطة الشرقية، إذ سيطر على عدد من المزارع في محيط حوش الضواهرة وتل فرزات، في محاولة لإشغال المسلحين وتحريك الجبهات جميعها، بالتأثير على كمائن المسلحين الدفاعية المزروعة في مواجهة هجومات الجيش.