أزمة تسريبات «شريط باسيل» الأخيرة التي انتهت «على خير» بلقاء بعبدا الثلاثي أول من أمس، أعادت ضخ الدماء في عروق مجلس الوزراء الذي ينعقد اليوم. لكنها قد لا تكون آخر أزمات أولى حكومات العهد قبل الانتخابات النيابية المقبلة. فقد عادت نغمة استقالة وزراء القوات اللبنانية إلى التداول، بعدما غيّبتها، منذ أواخر العام الماضي، أزمة احتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض، وخلاف الرئيسين ميشال عون ونبيه بري حول مرسوم أقدمية ضباط دورة 1994، وصولاً الى الـ«ميني حرب» التي اشتعلت أخيراً بين حركة أمل والتيار الوطني الحرّ.
قبل أزمة إقالة الحريري واحتجازه، لوّحت القوات، على لسان رئيسها سمير جعجع، بالاستقالة مرات عدة، سواء على خلفية ما تراه «تهميشاً» لها في التعيينات الادارية والقضائية، أو على خلفية لقاء جبران باسيل ونظيره السوري وليد المعلم في نيويورك وزيارة وزراء في الحكومة لدمشق. وفي تشرين الثاني الماضي، في خضمّ الأزمة، صرّح وزير الاعلام ملحم رياشي بأن استقالة رئيس الحكومة «وفّرت على القوات اللبنانية استقالة وزرائها بعدما كانت تنتظر الوقت المناسب لإعلان ذلك».

التحالف مع الكتائب يفترض الخروج من الحكومة

سفن الاستقالة سارت على غير ما اشتهت رياح القوات و«فريق السبهان» في لبنان. فانتهت ببيان وزاري لم يكن بالتأكيد على قدر طموحات معراب، ولم يعالج شكواها من استيلاء التيار الوطني الحرّ على «الحصة المسيحية» وهضم حقوقها في التعيينات. بالتالي، فإن مقولة انتظار «الوقت المناسب» لخطوة الاستقالة لا تزال قائمة طالما أن شيئاً لم يتغيّر. و«الوقت المناسب»، بحسب مصادر مطلعة، قد يكون في آذار المقبل. صحيح أن ذلك لن يؤدي إلى تطيير الحكومة أو فرطها. لكن عمرها سيكون قد شارف على الانتهاء. ولن يضيف البقاء فيها الى الرصيد القواتي شيئاً. كما أن الفترة الفاصلة بين آذار وموعد الانتخابات النيابية في السادس من أيار تسمح بالاستفادة القصوى من خطوة كهذه في شدّ عصب المحازبين، واستدرار تعاطف الشارع المسيحي مع فريق «إصلاحي» قدّم «تجربة حكومية مبنيّة على النزاهة والشفافية في وجه الصفقات والسمسرات»، على ما لم تنفك القوات تروّج له منذ تشكيل الحكومة الحالية.
في هذا السياق، كان لافتاً للانتباه هجوم النائبة ستريدا جعجع، الاثنين الماضي، على وزير الطاقة سيزار أبي خليل «الحالم بكرسي في مجلس النواب»، و«نهج الزبائنية السياسية» الذي يعتمده، على خلفية توظيف الأخير مياومين في شركة كهرباء قاديشا من دون إعطاء القوات اللبنانية حصّة من هؤلاء. بيان جعجع الذي اتهم «الحليف المفترض» بـ«إساءة استخدام السلطة عبر تسخيرها لمصالح شخصيّة وإنتخابيّة»، وبيان القوات أمس أيضاً ضد «المنطق الحزبي الزبائني» لأبي خليل، ترى فيهما مصادر في التيار الوطني الحر إرهاصات عودة القوات الى إشهار «مظلوميتها» في الادارة، تمهيداً لاستعادة نغمة الخروج من الحكومة في حال لم يجر التفاهم مع التيار على خوض الانتخابات النيابية في لوائح موحدة.

مسعى الرياض
لإعادة لمّ 14 آذار يفترض دور رأس
الحربة للقوات


ينفي رياشي الذي إلتقى الحريري، ليل أول من أمس في وادي أبو جميل، أن يكون موضوع الإستقالة مطروحاً الآن: «في الوقت الحاضر لا معنى للاستقالة ولا نحتاجها من أجل تكبير رصيدنا». ويقول لـ«الأخبار» إن «الاستقالة واردة عندما تكون هناك أسباب موجبة لها، بانتخابات أو من دونها».
الاخفاق في الوصول الى تفاهم انتخابي مع التيار الوطني الحر، في ظل شبه القطيعة التي لا تزال قائمة بين الحريري وجعجع، وفي غياب أسماء قواتية بارزة وذات حيثية تمكّنها من المواجهة، كلها تجعل القوات من دون تحالفات تسمح لها حتى بتأمين الحاصل الانتخابي في عددٍ كبير من الدوائر، وتبدّد الأحلام بالحصول على كتلة وازنة في المجلس النيابي المقبل. وهذه كلها قد تشكّل أسباباً «موجبة» للخروج من الحكومة. إذ لا يعود أمام معراب سوى خيار التحالف مع حزب الكتائب، حامل راية المعارضة. والأخير الذي يمكّن أن يشكّل رافعةً انتخابية للقوات في بعض الدوائر، كالمتن وزحلة، يشترط لتحالف كهذا الخروج من حكومة يضعها وأداءها هدفاً لحملته الانتخابية.
أبعد من ذلك، فإن المسعى السعودي لإعادة لمّ مكوّنات 14 آذار وخوضها الانتخابات في وجه حزب الله، يفترض أن تلعب القوات دور رأس الحربة في مشروع كهذا، خصوصاً في ظل الانكفاء الحريري عن ذلك، على ما يبدو حتى الآن. ودور كهذا يحتّم على القوات أن تكون في صفّ المعارضة للحكومة الحالية في ما تبقّى من عمرها.