نواكشوط | رغم أنّ الزيارة الرسمية التي قام بها أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إلى موريتانيا، يوم الخميس الماضي، ترافقت مع حزمة هامة من اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية، فإن الخلافات السياسية بين البلدين سرعان ما عكّرت صفو الزيارة؛ وفيما كان استقبال الأمير مليئاً بالحفاوة، إلا أنه غادر البلاد، بعد ساعات قليلة، من دون أي مراسيم وداع رسمي، الأمر الذي أثار تكهنات وتأويلات متباينة بخصوص أسباب هذا الإخلال المفاجئ بالإجراءات البروتوكولية المعمول بها في مثل هذه الزيارات.
ولم يكن سرّاً أنّ الاتفاقيات الاقتصادية لم تكن الدافع الوحيد لزيارة أمير قطر لبلد المليون شاعر، ولا سيما أنّ قطر وموريتانيا بينهما خلافات سياسية متعدّدة، وفي مقدّمها إيواء الدوحة الرئيس الموريتاني المخلوع معاوية ولد الطايع. إضافة الى ذلك، فإنّ السلطات الموريتانية الحالية تتبنى في سياستها الخارجية مواقف مناقضة للسياسات القطرية، وخصوصاً في ما يتعلق بالملف الليبي أو الأزمة السورية؛ فقد عارضت نواكشوط حملة الأطلسي ضدّ ليبيا. وكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز من ضمن القادة الأفارقة الذين عملوا حتى اللحظات الأخيرة من أجل إيجاد تسوية بين القذافي والثوار.
وبالنسبة إلى سوريا، فإن السلطات الموريتانية ترتبط بشراكة قوية مع المحور السوري ـــــ الإيراني. وقد نشأ هذا التحالف بعدما وضعت حدّاً لسياسات التطبيع مع إسرائيل، التي كانت قائمة في عهد نزيل الدوحة حالياً، ولد الطايع.
تجدر الإشارة الى أن عدداً من الأحزاب الموريتانية ذات التوجه القومي، والمنضوية في إطار «جبهة دعم المقاومة والدفاع عن سوريا» أصدرت بياناً استنكرت فيه زيارة أمير قطر لبلادها. وجاء في البيان «إننا نتابع بأسف شديد ما يقوم به هذا الأمير وزمرته من تآمر على أمن واستقرار أقطارنا العربية، وتورطه بشكل مكشوف وسافر في ضرب مواقع المقاومة والتآمر على مشروعها التحرري، خدمة للمشروع الصهيوني ـــــ الأميركي ـــــ الغربي الهادف إلى تمزيق أقطارنا العربية، وإلى تمكين هذا المشروع من دوام التحكم والسيطرة على مقدراتنا القومية وديمومة نهبها واستنزافها».
ورجّح مراقبون موريتانيون أن تكون وراء حزمة اتفاقيات التعاون التي حملتها زيارة أمير قطر لنواكشوط، والتي شملت 13 اتفاقية توزعت بين قطاعات المصارف والتشغيل، وخصوصاً الأوقاف الإسلامية والبيئة والإسكان، إملاءات سياسية تتعلق بمحاولة التأثير في الموقف الموريتاني من ليبيا، ومن مكافحة الإرهاب في الصحراء الأفريقية الكبرى، إلى جانب حث نواكشوط على فك ارتباطها الاستراتيجي بالمحور السوري ـــــ الإيراني.
لكن مصادر مقربة من القصر الرئاسي الموريتاني قالت إن «كل هذه القضايا السياسية نُوقشت بكل صراحة وبرحابة صدر»، نافيةً أن تكون هذه القضايا هي التي أدّت الى مغادرة الأمير القطري من دون وداع رسمي. وأشارت الى أن «الخلاف نشب لأسباب تتعلق بالشأن الداخلي الموريتاني، على خلفية مطالبة الأمير الرئيس الموريتاني بإطلاق إصلاحيات ديموقراطية، وخصوصاً ضرورة تقريب التيار الإسلامي، الذي يتزعمه الشيخ محمد الحسن ولد الددو»، وهو ما أثار حفيظة الرئيس الموريتاني، بحيث اعتبره تدخلاً غير مقبول في الشؤون الداخلية.