دمشق | يبدو المشهد السياسي في دمشق مشغولاً بمسألة الحكومة الموسعة التي خرج البحث فيها إلى العلن إثر حديث الرئيس السوري بشار الأسد عنها في خطابه الأخير، مشيراً إلى كونها حكومة تضم مختلف الأطراف بدلاً من تسمية حكومة وحدة وطنية. وقد سبق ذلك تسريب شبكة دمشق الإخبارية المعروفة بموالاتها للنظام أنباءً عن طرح حكومة جديدة ذكرت أنه ستدعى إليها أسماء معارضة مثل ميشيل كيلو وحسن عبد العظيم وعارف دليلة، وهو ما تلاقى مع تسريبات عن مبادرة روسية لتسمية المعارض هيثم منّاع لرئاسة حكومة تضم شخصيات معارضة.
وبعد خطاب الأسد الأخير، بدأت الاتصالات للبحث في شكل الحكومة الموسّعة، مع إعلان بعض الشخصيات المعارضة أو المستقلة تأييدها لمثل هذا الطرح الذي تجاهله معارضون آخرون، كأن الأمر لا يعنيهم. هكذا يشير المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية المعارضة حسن عبد العظيم، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الهيئة ليست معنية بالحكومة الجديدة، فهي لا تزال متمسكة بالمبادرة العربية وضرورة زيادة أعداد المراقبين إلى أكثر من ألف، وتزويدهم بالخبرات الفنية المطلوبة على أيدي مدربين من الأمم المتحدة، إضافة إلى دعمهم بالقدرات اللوجستية مع دخول الإعلام إلى المناطق الساخنة، ووقوفه على حقيقة ما يجري. فالأولوية لحماية المتظاهرين ووقف العنف وإطلاق سراح المعتقلين، وبعد ذلك من الممكن عقد مؤتمر برعاية عربية لبحث العملية السياسية. أما في ظل استمرار العنف وقمع المتظاهرين وعدم اعتراف النظام بالأزمة، فلا يمكن الاشتراك في الحكومة. فالأهمية هي حماية المتظاهرين قبل أي شيء». ويتابع عبد العظيم «إن الهيئة معنية بوحدة قوى المعارضة في إطار واحد، لكن ثمة أطراف لا تريد التوحد ولا ترضى بالهيئة، ونحن مهتمون بالتواصل مع من لديه بوادر للالتقاء على رؤية واحدة وخطاب سياسي واحد، وهو مطلب شعبي وعربي ودولي يعزز وحدة قوى الانتفاضة السلمية». ويكشف عبد العظيم عن استعداد الهيئة «لدرس موضوع الاستعانة بقوات ردع عربية من دول صديقة للشعب السوري، ومن المقرر بحث الأمر في اليومين المقبلين، فالمهم بقاء الحل العربي، ولكن ليس على حساب قتل الشعب».
كلام هيئة التنسيق في الداخل يقابله كلام المعارض الأكثر إثارة للجدل في الآونة الأخيرة هيثم مناع الذي نفى بشدة مسألة وجوده في الحكومة في حضرة النظام، قائلاً «إذا طلب مني غداً (الرئيس السوري بشار الأسد) تأليف حكومة، فسأطلب منه أن يتنحّى أولاً عن رئاسة الجمهورية».
في المقابل، يقول رئيس تيار بناء الدولة المعارض لؤي حسين، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «الحديث عن حكومة موسّعة لا معنى له، ولا دور لمثل هذه الحكومة في حل الأزمة، بل هي التفاف لتقويض الانتفاضة السورية وضرب جميع أهدافها. فالحكومة مجرد هيكلية إدارية لا معنى لها في القرار السياسي والحياة السياسية في البلاد، وقد راج هذا الكلام منذ أشهر من قبل بعض الدول الحليفة للنظام، كمحاولة لتسوية الصراع وإبقائه من دون حل جذري». وأضاف «نحن في تيار بناء الدولة نرفض المشاركة في مثل هذه الحكومة بل سنواجه أي طرح من شأنه إجهاض الانتفاضة أو الحيلولة دون تحقيق أهدافها». لكنه يستدرك قائلاً: «يمكن القبول بالتفكير في سلطة ائتلافية تشارك فيها كل الأطراف السياسية والاجتماعية المعنية في البلاد، بحيث تكون بديلاً للسلطة الحالية، وتؤسس لمرحلة انتقالية، تمهيداً لانتخابات تقبل بها جميع الأطراف، هذا إن طرحت السلطة ذلك الآن، أما بعد ذلك فلكل حادث حديث. وقتها ستكون المسألة متأخرة للغاية»، مذكراً بأن «حلول السلطة تأتي متأخرة، ولو كانت في وقتها لجنّبت البلاد الكثير من المشاكل». وتساءل «ألم يكن تعديل الدستور في بداية الأزمة ليجنّب البلاد هذه المخاطر؟». كذلك يرفض حسين جملة وتفصيلاً أي دعوة لدخول قوات عربية إلى سوريا لما من شأنه أن «يزيد من وتيرة العنف والانقسام، ويجر البلاد إلى مزيد من الفوضى»، مشيراً إلى أن «الكرة الأساسية ليست مع النظام ولا الرئيس، بل هناك قوى مجتمعية وناشطون أفرزهم الحراك الحاصل، ومنهم من كان قبل ذلك، وهؤلاء ليسوا ضمن هيكلية الأحزاب، ولكنهم صانعو الحياة السياسية في سوريا».
وتتألف الحكومة في سوريا بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية بعد موافقة القيادة القطرية لحزب البعث. وهنا يطرح السؤال الأول: هل سيختار الرئيس بنفسه شخصية معارضة لرئاسة الحكومة، وبالتالي من هي الشخصية التي ستكون مقبولة من قبل النظام وتعبّر عن رأي المعارضة؟ أم ستبقى الرئاسة لحزب البعث من دون طرح اسم معارض لكي يتولّى ترؤسها؟
وفيما تشير أغلب التسريبات الإعلامية إلى ترشيح المعارض الشيوعي قدري جميل لرئاسة الحكومة الموسّعة المقبلة، فقد حاولت «الأخبار» الاتصال برئيس «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير» لكن الوصول إليه كان متعذراً .
وكان جميل قد أعلن في تصريحات سابقة، عقب خطاب الرئيس الأسد الأخير ودعوته إلى حكومة موسعة، أن من المهم الاتفاق على صلاحيات ومهمات الحكومة والآجال الزمنية لتنفيذ مهماتها وصولاً إلى المصالحة الوطنية الشاملة، مشدداً على أهمية أن تمتلك الحكومة المرتقبة صلاحيات سياسية استثنائية وواسعة، باعتبار أن حل الأزمة «سياسي بامتياز»، ويتطلب وقف العنف وخلق مناخ الحوار. وعمّا إذا كانت صلاحيات هذه الحكومة ستشمل المؤسسات الأمنية وعملها، قال «هذه المؤسسات تتبع للدولة، ومن مهمات أيّ حكومة العمل المشترك والتنسيق مع كل أجهزة الدولة ومؤسساتها». وعن توقعاته بشأن استعداد السلطات لمنح الحكومة هذه الصلاحيات، توقّع التوصل إلى توافق ما مع السلطة، قائلاً «لم نتطرق إلى ذلك بعد، لكننا لن نشارك في حكومة وحدة وطنية ليس لها صلاحيات». وعمّا إذا كانت السلطات أجرت اتصالاً مع حزبه لمعرفة موقفه من تأليف الحكومة الموسعة، قال «رسمياً لم تجر اتصالات، لكن عقدنا لقاءات شبه رسمية وشخصية جرى خلالها جسّ النبض وتبادل الآراء». وأشار إلى أن «رغبة بعض قوى المعارضة في سقوط النظام تلاشت نهائياً، وخاصة أن التدخل الخارجي العسكري بات مستبعداً جداً، وثبت أن النظام قوي والجيش متماسك، ما جعل الحديث عن إسقاط النظام غير واقعي وغير عملي، وخاصة في ظل الوضع الدولي الحالي».
وفي السياق، رأى رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي حيدر أن «المشاركة في الحياة السياسية المقبلة تبدأ من الحكومة الموسّعة التي تمثّل فرصة جيدة للجميع للمشاركة في فريق العمل للنهوض بسوريا المقبلة». وطالب حيدر بمنح هذه الحكومة صلاحيات واسعة مثل «العمل الميداني الطارئ والمستعجل للخروج من الأزمة، والعمل على المستوى الاستراتيجي لتغيير السياسات الاقتصادية السابقة»، مشيراً إلى أنه «يجب منحها صلاحيات الحوار مع كل قوى المعارضة الأخرى لإشراكها في الحياة السياسية، ويجب أن يكون لها دور سياسي على عكس الحكومة الحالية». وعن الحوار بين حزبه والسلطة، قال «التقينا أغلب القيادات السياسية والأمنية، وأغلب أصحاب القرار في البلاد، وأيّدنا فكرة الحكومة الموسعة التي طرحوها علينا، وخاصة أننا أول من طالب بها».
بدوره، قال رئيس المبادرة الوطنية للأكراد السوريين، عمر أوسي، إنه يجب أن تضم الحكومة وزراء أكراداً يمثلون الشارع الكردي في سوريا ويلامسون هموم الكرد كسوريين، عندها فقط يمكن أن نسميها حكومة موسعة.
وأضاف أوسي، في تصريح له أمس، «لن نرضى بعد اليوم بأن يجري إقصاء الأكراد وتهميشهم في الحياة الحزبية والسياسية الوطنية السورية. من حقهم الطبيعي أن يمثّلوا في الحكومة وفي البرلمان وفي جميع مؤسسات الدولة». ورأى أوسي أن «استثناء المكوّن الكردي من الحكومة العتيدة، كما جرى في السابق مع الحكومات المتعاقبة في سوريا، يخرج حكومة عرجاء لا تمثّل جميع شرائح الشعب السوري وأطيافه».
حديث أهل السياسة يقابله رفض مطلق من قبل الناشطين على الأرض، كما يشير إلى ذلك الناشط والمدون حسين غرير بقوله: «أعتقد أنها مسرحية سياسية هزلية لن يكتب لها النجاح، لأن الغاية منها ليس إحداث تغيير جذري في معنى السياسة لدى النظام السوري، بل هو تجسيد حقيقي لما تعنيه السياسة بالنسبة إليه، بما هي مجرد تجميل للواقع من دون العمل على تغييره. كذلك فإنه لم يعرف عن الدكتور قدري جميل، المرشح الحالي لرئاسة الحكومة بحسب التسريبات، لم يعرف عنه أنه معارض للنظام سابقاً ولا حالياً. وبذلك تكون هذه الحكومة هي ائتلاف بين مختلف (الأطياف) السياسية التي تتنافس على خطب ودّ النظام وأجهزته الأمنية».



أبرز هيئات المعارضة السورية


تتألف المعارضة السورية من تنظيمات وهيئات عدة لم تتمكن بعد من التوحّد، أبرزها «المجلس الوطني السوري» الذي أعلن عن ولادته في إسطنبول، ولقد وقّع المجلس على اتفاق، تنصّل منه لاحقاً، مع «هيئة التنسيق الوطنية السورية لقوى التغيير الديموقراطي»، وأبرز قادتها حسن عبد العظيم وهيثم مناع. وإلى جانب هاتين الهيئتين، يبرز دور «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير» برئاسة قدري جميل (الصورة)، كذلك أعلن في منتصف أيلول عن ولادة «ائتلاف القوى العلمانية والديموقراطية السورية» في باريس. وبرز بعد عشرة أشهر من الاحتجاجات ما يعرف بـ«لجان التنسيق المحلية» التي يعمل في إطارها ناشطون ميدانيون. وأعلن عن ولادة «الهيئة العامة للثورة السورية» التي قالت في بيانها التأسيسي إنها «تتألف من 44 مجموعة ولجنة».