لم تمرّ أي طائرة معادية، أمس، فوق منطقة الأشرفية. لم تُشن أي غارة حربية على حي فسّوح. لكن، مع ذلك، بدا المبنى الذي كان مؤلفاً من 5 طبقات، والكائن في شارع المطران عطا الله، شبيهاً بالمباني المنهارة في الضاحية الجنوبية قبل أكثر من 5 سنوات. إنهار المبنى، القديم العهد، بكامله، على من فيه. لم يكن انهياره مفاجئاً، فهو كان «يحتضر» منذ أشهر. وقف محمد، ناطور المبنى المقابل، ينظر إلى الركام وفي عينيه حسرة. «أنا بيدي هاتين دعّمته، قبل شهر تقريباً، بدعامتين من الحديد، بعد أن إنهار قسم من أساساته في الجهة الخلفية».
هكذا، كان الكل يعلم أن المبنى غير صالح للسكن، وأنه آيل للسقوط في أي لحظة. حتى ميشال مالك المبنى، الذي، بحسب بعض أهالي المنطقة، لم يعد يملك الشقق العشر، بعد أن أجرّها كلها. البعض قال انه رآه قبل حصول الإنهيار بدقائق، وأنه كان يحذّر القاطنين مما سيحصل، وذلك بعد أن بدأت الأساسات بالتصدّع الأخير.
يعود الناطور محمد، وهو سوري الجنسية، ليتذكر أن السيارة الزرقاء المركونة قرب المبنى، تعود لسيدة تقطن في الطبقة الأرضية من المبنى. «أعرف أنها لا تغادر منزلها إلا بسيارتها، ولكن ها هي سيارتها هنا. إنها تحت الركام حتماً». ويكمل الناطور سرده، مستجمعاً ذاكرته. في الطبقة الأولى يسكن أشخاص لبنانيون، وفي الطبقة الثانية رجل عجوز وزوجته، أما الثالثة فغير مسكونة، فيما يسكن الرابعة والخامسة عمّال من مصر والسودان. قريب أحد المصريين يرفض أن يتحدث مع أحد، يذرف الدموع فقط. ينتظر أن ينتشل قريبه، في أي لحظة، كما انتشل العجوز الذي بقي حياً، بعد أن عُثر عليه محتضناً زوجته، التي كان لا يزال فيها أثر من حياة.
فجأة، يصرخ أحد العاملين في الصليب الأحمر، من مكان عند أعلى الركام... «هناك أشخاص أحياء أسمع أنينهم، ناولوني قنينة ماء بسرعة». هكذا، أخذ العاملون في الصليب الأحمر والدفاع المدني يسمعون بين الفينة والأخرى أصوات «حياة» من تحت. يباشرون فوراً «النكش» بأيديهم للوصول إلى مصدر الصوت. لم يكن بإمكان أحد النظر إلى هؤلاء إلا بعين الحسرة. لا تنقصهم الشهامة ولا الشجاعة، ولا العقل أيضاً... جلّ ما في الأمر أنه ينقصهم «دولة». مرّت ساعات على انهيار المبنى، من دون ظهور أي معدات متطورة، مثل تلك التي تستعمل في الحوادث المماثلة في دول العالم. هكذا، يكتشف اللبنانيون، الذين بات بلدهم الغارق بالديون، أن دولتهم لا تمتلك سوى الأيدي وبعض «الرفوش» لإنقاذهم.
يستسهل رئيس بلدية بيروت، بلال حمد، في معرض تعليقه على الحادث، القول بأن «هناك أبنية كثيرة في بيروت مهددة بالإنهيار». هكذا اعتاد أصحاب المسؤوليات في لبنان، أن لا يحركوا ساكناً إلا على وقع الدم والكوارث. وفيما كان عاملو الإنقاذ يجهدون في البحث عن أرواح ناجية، توقفوا عن العمل فجأة بعد سماع صوت شخص يصرخ أمام المبنى... «جيش وقوى أمن ازعبوا العالم كلها لبرا.. يلا لشوف». إنه وزير الداخلية مروان شربل. وصل «البطل» إلى ساحة الكارثة، ومن حوله رجال عسكر وأمن. ثوان ويلتحق به وزير الصحة علي حسن خليل، ثم نواب المنطقة. طبعاً، النائب نديم الجميّل لم يفوّت الفرصة، وهو إبن الأشرفية «البداية». راحت الشخصيات السياسية تتوافد إلى المكان، إلى أن وصل رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
شوهد أحد رجال الأمن يقصد مكان تجمّع الصحافيين. ظنوا أنه يريد إبعادهم، لكنهم ابتسموا بعد أن طلب من حملة الكاميرات التوجه إلى مكان وقوف «الزعماء». هكذا، لا يريد أحد من هؤلاء الساسة أن يذهب تعبه سدى. أدلوا كلهم بتصاريح، من دون أن يكون لدى أحد منهم معلومات عن حقيقة عمّا حصل، بل لم يكن لديهم حتى علم بعدد قاطني المبنى، وذلك بعد ساعات على انهياره. حتى رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، ومن مكان بعيد جداً عن مكان الحادث، أعلن «أسفه» لما حصل. وجد الحريري أن ما حصل يستحق التوقف، ولو قليلاً، عن «الوتوتة» على الإنترنت. من جهته، أعلن الصليب الأحمر، قرابة منتصف الليل، أنه تم انتشال 11 شخصاً، من بينهم جثّة فتاة. يذكر أن أهالي المنطقة قدّروا عدد قاطني المبلغ بنحو 30 شخصاً.
غداً، ستجتمع لجنة الأشغال النيابية، برئاسة النائب محمد قباني، لمناقشة موضوع انهيار المبنى. سيكون الاجتماع استثنائياً، بحسب ما قيل، في حضور ممثلي الإدرات المعنية وبلدية بيروت والجمعيات التطوعية الرئيسية. غداً، ستحمّل مسؤولية ما حصل لكل شيء، لأي شيء، بما فيها المخلوقات الفضائية ربما، لكن الدولة وحدها، بأشخاص المسؤولين فيها، لن تكون مسؤولة.
كارثة ضمن كارثة
في أوروبا والدول والمتقدمة، تمتلك الأجهزة المعنية بالكوارث آليات وأجهزة خاصة بانهيارات المباني والزلازل. ومن الأجهزة المشهورة في هذا المجال، جهاز بحث «تليسكوبي» مزوّد بكاميرات متعددة، يمكنه رصد أماكن العالقين تحت الركام، كما يمكن التحدّث إليهم على «ميكروفونات» تابعة للكاميرات، في حال كانوا لا يزالون في وعيهم. أيضاً، هناك أجهزة المجسات الصوتية، التي يعتمد بعضها على تتبع نبضات القلب لمسافة 100 متر تقريباً. وفي السياق نفسه، ثمة أجهزة تتضمن ما يُعرف بالوسائد الهوائية، التي تطلق أسفل الأنقاض لرفعها من دون حصول أضرار. بالتأكيد، تبقى الكارثة كارثة، وتبقى أهم الدول عاجزة أحياناً عن تحقيق الكمال، لكن أن لا يكون لدى لبنان، البلد الذي لا ينفك بعض بنيه بالتفاخر برقيه، بعض تلك الأجهزة والتقنيات، فهذا، بحد ذاته، بمثابة كارثة.
10 تعليق
التعليقات
-
المصيبه الاساس في قانون الايجارالكل مستاء مما حصل . الفاجعه كبيره . السؤال يبقى من هو المسؤل؟ برايي المتواضع ارى ان قانون الايجار القديم سبب كل الازمات من سكنيه الى غيرها....ولكن هيهات من يسمع....المباني القديمه في معظمها غير اهل للسكن..هذه حقيقه .لا قدرة للمالك بالترميم ولا يريد هذا باية حال.. المستاجر متمسح بمكانوا لا يريد الاخلاء الا بتعويض دسم. كيف ما برمتى مصيبه.
-
لم يكن من الممكن احضار اي الةلم يكن من الممكن احضار اي الة من هذه الالات من اوروبا مع فريق متخصص بظرف ٥ ساعات؟
-
باطل إنو يكون في فساد باطل إنباطل إنو يكون في فساد باطل إن يكون المسؤول والموظف فاسد باطل إنو يكون رجل الأمن فاسد ومرتشي باطل إنو يكونوا موظفين البلدية على ها الشكل باطل إنو يكون القضاء فاسد باطل والف باطل إنو رح يصير عنا دولة... يمكن مناقشة الاستراتيجية الدفاعية أهم من مناقشة الفساد، ويمكن إثارة النعرات الطائفية كمان أهم... ويمكن انتظار النظام السوري إذا رح يسقط أم لا كمان مهم.. بس الفساد مش مهم !!!... الفساد بهالانتظار عم يكبر ويكبر وعم يبلع كل شي. شو الفرق بين الفساد والإهمال، متل الفرق بين الرشوة والإكرامية ؟ هيدا كلوا ما بينفع هالناس المعترين لي انقضى عليهن من ركام المبنى المنهار ،نتيجة شو، ؟ الإهمال والفساد أوالرشوة والإكرامية... انشاءالله تكون دمائن منقذة من الاف الفاسدين وانهيار المبنى ينقذ انهيار الوطن، وإلا عليكم وعلينا الف رحمة وسلام ولا حتى الف أبو عزيزة حرقوا حالن ممكن يشعلوا ثاقفة الانتفاض حتى على طائفياتناالمصونة.
-
اقوالفي نائب قال اى مبنى متصدع لازم صاحبه يبلغ الجهات المختصة يا ترى لو بلغنا في حدا هيهتم بالموضوع !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
-
نيالهم ...ماتو شهداءمات هؤلاء الفقراء شهداء قهر الفقر وثقل الاسمنت البالي فوق رؤوسهم. مات هؤلاء ولم يشهد احدهم الولادة العسيرة لقانون الاجور. ربما إنهار البناء بعدما إنفجر احد سكانه لانه لم يستطع ان يؤمن لقمة العيش التي إبتلعها الغلاء. ربما إنهار البناء إثر إنفجار في راس احد السكان من شدة التفكير في طريقة لدفع اقساط المدرسة. ربما إنهار البناء لان سكان البناء كسائر المواطنين الغير مدعومين هم فقط ارقام إنتخابية لا تدخل في حسابات البشر و لا الحجر. ربما إنهار البناء من قلة "المونة" في اخلاق المسؤولين. نيالهم ماتو شهداء تحت ثقل الاسمنت و ليس دهسا او دعسا تحت اقدام المسؤولين.
-
مدعوم!! - 2والمكان المقصود هو مبنى كنيسة السيدة للروم الأرثوذكس. فقد حاول أحد الأشخاص اقامة مبنى ملاصق لمبنى الكنيسة، ما أدى الى الحاق الضرر بأساسات الكنيسة وتهديدها بالانهيار. وقد نشرت وسائل الاعلام في حينه أكثر من تحقيق عن هذه المسأله. وبذل المطران عودة جهودا جبارة حتى استطاع ايقاف اعمال الحفر. لماذا؟ لأن صاحب المبنى الجديد كان "مدعوما"، ومدعوما من "مسؤول" كبير شكلا ومضمونا!! تصوروا ان بناء دينيا وتاريخيا وأثريا كان عرضة للانهيار، وان مطران بيروت، بما ومن يمثل بذل جهودا جبارة لكي يتمكن من تحقيق أمر يفترض ان يمنعه القانون بشحطة قلم. فما بالكم اذا كان صاحب المبنى الذي حصلت فيه الكارثة انسانا عاديا، وسكانها بشر عاديون؟؟ بالطبع لن يستطيعوا ان يواجهوا "االمدعوم"، فـ "المدعوم" في جمهورية الملفوف أقوى من الدستور والقانون!! اننا لا ندافع عن صاحب المبنى المنهار، لأن العطب موجود في المبنى أساسا، وربما كان ناتجا عن عدم الرغبة في انفاق مبالغ معينة للصيانة والدعم. ولكن ما يحز في نفوسنا انه لا يزال في لبنان "مدعومون"، اي أضخاص يدعمهم المسؤولون لكي يخالفوا القوانين والأنظمة ولو أدى ذلك الى الحاق الكثير من الأضرار، بدءا بنهب أموال الشعب بطريقة غير مباشرة، اي نهب اموال الخزينة، او بطريقة مباشرة، برفع الأسعار بشكل غير معقول... ووصولا الى قتل الناس تحت بناء منهار. ثمة كلمة واحدة تليق بهذه المناسبة... ولكننا لن نقولها لكي لا يظن "المسؤولون" الذين يدعمون اللصوص ومخالفي الأنظمة والقوانين ان السماء تمطر عليهم!!
-
مدعوم!! - 1من أصعب الأمور على النفس الكتابة عند حصول كارثة من هذا النوع. ولكن سقوط عشرات الضحايا داخل منازلهم، دون سبب سوى ان شخصا ما في مكان ما وزمان ما هو "مدعوم" يثير اضافة الى الحزن على الضحايا الغضب والاشمئزاز والقرف. شقيقة الشبان الثلاثة الذين لم يتم انتشالهم مع والدهم حتى الآن، والتي نجت هي ووالدتها بشبه أعجوبة قالت ان المبنى هو أساسا غير سليم وظهرت فيه تشققات وتصدعات منذ مدة. الا ان ما سرّع حصول الكارثة هو قيام "أحدهم" باقامة بناء جديد ملاصق للمبنى المنهار، حيث أدّى حفر أساسات المبنى الجديد الى كشف أساسات المبنى القديم بالكامل، ما أدى الى انهياره على رؤوس ساكنيه. وقالت الفتاة المفجوعة ان صاحب المبنى نصحهم بعدم النوم في المبنى في تلك الليلة المشؤومة، وأخبرهم انه لم يستطع فعل شيء لايقاف العمل في المبنى الجديد بانتظار تدعيم أساسات المبنى القديم، لأن صاحب المبنى الجديد "مدعوم". حاول بعض المسؤولين نفي هذا الأمر، وكالعادة طالبوا بانتظار نتائج التحقيق!! علما اننا نعرف وهم يعرفون، ويعرفون اننا نعرف ان جمهورية الملفوف لم تشهد نهاية تحقيق واحد منذ انشائها. ونحن بكل بساطة نصدق الفتاة المفجوعة، ليس فقط لأن معظم المسؤولين، هم أساسا غير مسؤولين، ومستعدون للكذب والنفاق والتضليل من كبيرهم الى صغيرهم، بل لأن حادثة مماثلة حصلت منذ عدة سنوات وفي مكان يبعد عن مكان حصول الكارثة عشرات الأمتار فقط.
-
على الدولة اخد احطياتات لازمةعلى الدولة اخد احطياتات لازمة بالمباني التي ليس لها اساسات او غير صالحة للسكن
-
انهيار المبنىهل يصلح أن يكون انهيار المبنى أمس في الأشرفيّة شرارة لثورة الشّعب على إهمال المسؤولين وفسادهم وعدم احترامهم مواقع مسؤوليّاتهم وإفقارهم شعبهم؟
-
ما بيصير مصيبة الا من الاهماليجب تغير كل مسؤولين لبنان من راس الهرم الى ادنى موظف