البقاع الشمالي | في البقاع، «الطرقات بتشبه كل شي إلا الطرقات»، يقول علي جعفر، أحد أبناء بلدة حوش السيد علي، في قضاء الهرمل. استيقظ الرجل فجراً، على غير عادته، ليدقق ممتعضاً في أوراق تسجيل سيارته. ارتشف سريعاً فنجان قهوته، وتذكر الطريق الطويلة. قد تمتد رحلته إلى «الميكانيك» يوماً أو يومين. «الله أعلم اذا بتنجح أو بتسقط بالامتحان». هو امتحان إذاً، محاط بمعاناة جسدية ونفسية، وطبعاً مالية، نتيجة المسافة الطويلة، التي تتجاوز 120 كيلومتراً إلى مركز المعاينة في مدينة زحلة في البقاع الأوسط. «الطامة الكبرى» بحسب جعفر تكمن في ما لو «رسبت السيارة». الأمر الذي يعني «رحلة جديدة من قضاء الهرمل إلى البقاع الأوسط، وأعباء إضافية جديدة». معاناة جعفر لمعاينة سيارته كل عام، لا تقتصر عليه وحده، بل تمتد لتشمل أكثر من 150 ألف نسمة من أبناء قرى البقاع الشمالي، بدءاً بقرى وبلدات قضاء الهرمل، وصولاً إلى القرى الحدودية كالقاع وعرسال ورأس بعلبك وغيرها. فالمسافة التي يقطعها أبناء المنطقة تتفاوت بين قرية وأخرى، تتراوح بين 100 و130 كيلومتراً، كما في سهلات الماء ومرجحين. تفرض عليهم التخلي عن أعمالهم وتخصيص أيام محددة لإنجاز معاملات الكشف على سياراتهم. أحياناً، من الممكن أن يتطلب الأمر فترة زمنية أطول فيما لو كانت الزحمة كتلك التي شهدها مركز المعاينة في زحلة على مدى الشهرين الماضيين، بعد إقرار قانون الإعفاء من دفع غرامات التأخير على الميكانيك، كما يشرح علي طه ـ أستاذ متعاقد من مدينة الهرمل. يلفت طه إلى أن عدداً كبيراً من أهالي المنطقة يضطرون «غصباً عنهم» الى ترك أعمالهم لإجراء المعاينة الميكانيكية في زحلة، حتى أن «بعضهم ينام في زحلة». طه تخلى عن ساعات تعاقده ليوم كامل بسبب المعاينة، لكنه، رغم ذلك، «أشكر الله أن سيارتي نجحت لأعود إلى منزلي قرابة الثامنة»، مشيراً إلى أنه «دفع 60 ألف ليرة بدل بنزين للسيارة، ما خلا رسم المعاينة الميكانيكية ومبلغ 33 ألف ليرة».
أما عبد الرحيم الساحلي، فتذمر بدوره من «الحالة السيئة للطرقات التي تربط المنطقة ببعضها»، خصوصاً تلك الممتدة من بلدة مقنة مروراً بالتل الأبيض وصولاً إلى مفرق إيعات وبلدة دورس، والتي تشهد أعمال حفر وشق، «واللي سيارته من الشركة مش ممكن تمرق عليه إلا وتتكسّر». هكذا، يكتظ هؤلاء جميعهم في مركز معاينة ميكانيكية واحد، في محافظة كبيرة كالبقاع لديها امتداد جغرافي شاسع. وفي ضوء عدم استحداث مركز معاينة في محافظة بعلبك ـ الهرمل، ترتفع أصوات أهالي المنطقة مطالبة بإنجاز هذا المشروع، لـ«تخليص الناس من معاناتهم كل عام»، كما يقول أحمد شعيب، وهو خبير سير محلف في الهرمل. أكد الأخير «عدم تجاوب أي من مسؤولي وزارة الداخلية مع الطلبات المتكررة بشأن استحداث مركز معاينة في منطقة وسطية بين بعلبك والهرمل في بلدات العين أو اللبوة، علماً أن الأمر «يخفف الأعباء عن أبناء المنطقة، ويمنع إقبالهم المتزايد على إيقاف سياراتهم عن السير بنسبة وصلت الى 40% وتحويلها إلى ما يسمى أنقاض». «الناس ما معها حق ربطة خبز في ظل وضع حدودي لا نحسد عليه»، يختم شعيب.
بدوره، رأى النائب غازي زعيتر أن «تقصير الدولة في استحداث مركز معاينة ميكانيكية في المنطقة اصبح بمثابة جريمة يومية ترتكبها بحق مواطنيها»، مشدداً على حاجة قرى وبلدات بعلبك ـ الهرمل إلى مركز معاينة، حتى «قبل صدور مرسوم استحداث محافظة». وللمناسبة، أعلن زعيتر أن نواب تكتل بعلبك ـ الهرمل «يطالبون دائماً بافتتاح مركز معاينة».