القاهرة | بعدما كان وجودهم يقتصر على بعض المساجد، تحوّل السلفيون في مصر إلى نوابٍ في مجلس الشعب، وهو ما يطرح علامات استفهام عدة حول إمكان تحويل أفكارهم المتشدّدة إلى تشريعات نافذة. وفي ظلّ هذا القلق الذي يعيشه قسم كبير من الشارع المصري، تحوّل هذا التيار الديني إلى مادة غنية للأفلام الوثائقية. «الإمام ـــــ قصص عن أناس أحبّوا الله وكرهوا البشر» هو عنوان واحد من هذه الأعمال التي تحاول الإجابة عن الأسئلة التي تراود المواطن العادي مثل: من هم السلفيون؟ وكيف تمكّنوا من إقناع الشارع المصري المعروف بوسطيّته الدينية بأفكارهم المتطرّفة؟ هكذا نتابع في الشريط نشوء هذه الأفكار الراديكالية وعلاقتها بالسعودية...العمل من إنتاج سينمائيين مصريين شباب، انتهوا من تنفيذ هذا العمل أخيراً. ومن المقرر عرضه للمرة الأولى في «مهرجان الجزيرة للأفلام التسجيلية» في الدوحة. وقد لفت مخرجه أحمد صلاح إلى أنه ينوي عرض الفيلم في عدد من المهرجانات الدولية قبل تقديمه محلياً. «الإمام» هو ثاني أعمال صلاح الوثائقية، بعد «توقّف Hold on» (2009) الذي فاز بـ«جائزة أفضل تصوير» في مهرجان «موسكرز الحرية» في القاهرة العام الماضي. إلا أنّ المخرج الشاب يؤكد أنّ «الإمام» ذو طابع خاص، إذ يركّز على تيّار «غيّر في تركيبة المجتمع المصري منذ ظهوره، ويحاول الإجابة عن تساؤلات عدة أهمّها: علاقة السلفيين بالجزيرة العربية وسبب الدعم الذي تقدّمه لهم السعودية. وما هي أهدافهم؟ وهل تتوقف هذه الأهداف عند الدعاية الدينية أم هناك مشاريع سياسية أخرى تختبئ خلف هذه الستارة؟».
ويؤكّد مخرج الشريط أنّه بدأ التصوير قبل اندلاع «ثورة 25 يناير»، ولم يكن يتوقع أن تنطلق هذه الانتفاضة الشعبية، «ويصل أصحاب هذا الفكر الديني المتشدد إلى كراسي مجلس الشعب». ويذكّر بأن تصوير الفيلم توقف لشهرَين تقريباً خلال الثورة.
وفي حديثه مع «الأخبار»، لا ينفي صلاح أنه واجه مصاعب أثناء التصوير الخارجي نظراً إلى وجود أنصار التيار السلفي في الشارع المصري، وإحساسهم بأنّ الإعلام والفن يهاجمانهم من دون أي مبرر. ويشير إلى أن الفيلم «جرس إنذار مبكر» يضيء على خطورة الفكر السلفي المتشدد على المجتمع المصري، وقدرته على إقناع جزء كبير من المواطنين بأفكاره، وخصوصاً من خلال كلامهم في بعض المساجد، وعدد من القنوات الفضائية الدينية.
أثناء تنقل الفيلم بين المراحل المختلفة من تاريخ الحركة السلفية، اعتمد صلاح على عدد من الخبراء والمهتمين بالحركات الإسلامية، وحركات الإسلام السياسي في مصر. واستعان كذلك بأستاذة العقيدة والفلسفة في «جامعة الأزهر» آمنه نصير، والمفكر الديني جمال البنا، المعروف بانتقاده الدائم للتيارات الوهابية والسلفية. وفي الفيلم أيضاً، نشاهد علاقة تلك الجماعات بالأجهزة الأمنية، ودور عدد منها في أحداث إرهابية شهدتها تسعينيات القرن الماضي. وهنا يستعين الفيلم باللواء فؤاد علام رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق. فيما يطلّ رئيس مجلس إدارة «دار الهلال» الصحافية حلمي النمنم، ومصطفى فتحي للحديث عن علاقة السلفيين بالثقافة.
هكذا يبصر هذا الفيلم النور (إنتاج شركة «فينغر برينت») فيما تحاول الحركات السلفية إنتاج افلام وثائقية عن مسيرتها في مصر بهدف الترويج لنفسها، والوصول إلى أكبر قدر ممكن من المصريين، وهو ما يُعَدّ تطبيقاً عملياً لما قاله رئيس «حزب النور» السلفي عماد عبد الغفور الذي أكّد أنّ الحزب سيسعى في الفترة المقبلة إلى إنتاج أفلام عن نشأة الحركة السلفية المصرية وتطوّرها، وارتباطها بالمملكة العربية السعودية، لافتاً إلى أن الهدف من ذلك «تعريف المصريين بالحركة ومواجهة حالة الهجوم على السلفيين».