شهر واحد يفصلنا عن بدء سريان المرحلة الثانية (آذار 2012) من قانون «الحد من التدخين وتنظيم صنع وتغليف ودعاية منتجات التبغ»، التي تفرض حظر إعلان منتجات التبغ. وهذا يعني إزالة جميع لافتات المحال التي تتضمن إعلانات عن التبغ، مع حظر شامل وتام لدعاية التبغ في جميع وسائل الإعلام والإعلان.
هذا في الخارج. أما في الداخل، فيجب على المحال والسوبرماركت إزالة مختلف الإعلانات أو المواد الترويجية العائدة لمنتجات التبغ، ويفضل أيضاً تغطية رفوف السجائر بحيث لا يراها الزبائن، لأن القانون يحظر عرضها بطريقة تمكن المستهلك من تناولها مباشرة، ويفرض غرامة مالية في حالة المخالفة، علماً بأن قرار حظر بيع منتجات التبغ للقاصرين دون سن الـ١٨ الذي كان سارياً قبل صدور القانون، بات أكثر شمولاً في النص القانوني، إذ بات ينطبق على المقاهي والمطاعم والملاهي، لا على المحال التجارية فقط.
لكن تقويم المرحلة الأولى من مسار تطبيق مواد القانون لا يبشر بالخير، وخصوصاً منع التدخين في الأماكن العامة المغلقة مثل القصر الجمهوري والسرايا الحكومية والمجلس النيابي والشركات الخاصة، ومختلف أماكن العمل والمستشفيات والملاعب الرياضية، التي من المفترض أنها انطلقت منذ الرابع من أيلول المنصرم؛ إذ لم يلحظ اللبنانيون تطبيقاً شاملاً لها، أو إعلاناً لآليات العقاب بحق من يخالفها.
ومع اقتراب موعد سريان الحظر على إعلانات المنتجات التبغية والترويج لها، الذي يبدأ في 3 آذار 2012، تتخذ شركات التبغ مجموعة من الخطوات التسويقية من قبيل رعاية الحفلات الموسيقية وعرض المنحوتات الفنية على درج الجميزة الثقافي الذي يمثل عصب القوة التسويقية والإعلانية لها.
وكان مجلس الوزراء قد أقر في جلسته المنعقدة بتاريخ 4 كانون الثاني الجاري، ثلاثة مراسيم تطبيقية لقانون الحد من التدخين رقم 174 الذي أقره المجلس النيابي في 17 آب 2011. وبات لزاماً على جميع المعنيين التقيد بما نصت عليه هذه المراسيم لجهة تنظيم لافتات إعلان بيع منتجات التبغ ووضع إشارات منع التدخين في الأماكن العامة ووضع تحذيرات صحية على علب منتجات التبغ.
ويعاقب القانون بغرامة تراوح بين 10 إلى 30 مليون ليرة لبنانية، كل من ينشر إعلاناً أو مادة دعائية مجاناً أو لقاء أجر عن المنتجات التبغية، بما في ذلك المنتجات غير التبغية المشابهة (السيجارة الإلكترونية، والسيجارة بدون نكوتين، واللبان وغيرها)، إضافة إلى حظر الترويج للمنتجات التبغية من طريق الإعانة أو خفض الأسعار أو الحق بالمشاركة في سحب اليانصيب لقاء شراء أي منتج تبغي أو مشتقاته.
وبحسب دراسة صادرة عن «البرنامج الوطني لمكافحة التدخين» في وزارة الصحة http://www.tobaccocontrol.gov.lb ، فإن تثقيف المدخن وتوعيته على الأخطار الصحية للتدخين لا يكفيان للحد من انتشاره، بل على العكس، شهد لبنان زيادة مطّردة في أعداد المدخنين، ولا سيما الشباب، رغم وجود العديد من حملات التوعية التي نفذت على مدار العقدين الماضيين.
وتؤكد الدراسة أن أحد العوامل الرئيسية التي تؤدي دوراً مهماً في توسيع نطاق التدخين هو الإعلانات التي تركز على النساء والشباب والأولاد خصوصاً، لجعلهم «مدخّنين بديلين» للزبائن القدامى الذين قضوا بسبب منتَجاتها القاتلة، الأمر الذي تنفيه هذه الشركات، ولكنه ثبت من خلال الوثائق الداخلية المسربة. ويتوقع مدير البرنامج الوطني للحد من التدخين، د. جورج سعادة، أن تغير شركات صناعة التبغ استراتيجيتها في لبنان، بعد سريان مفعول قانون الحدّ من التدخين الذي فرض الحظر على إعلاناتها، تماماً كما فعلت في مختلف دول العالم التي أقرت قوانين وطنية مشابهة.
ومن أبرز هذه الاستراتيجيات تحويل استثماراتها في السوق إلى الإعلانات غير المباشرة خارج وسائل الإعلام، كاعتماد الطريقة التي اعتمدتها أخيراً شركة التبغ اليابانية التي تمتلك حق تسويق المنتج التبغي «Camel» من طريق وضع تمثال زجاجي ضخم لجمل من دون الإشارة إلى اسم المنتج. وقد أثار هذا الإجراء انتقاداً واسعاً في أوساط الجمعيات اللبنانية التي تعمل من أجل الحد من التدخين. ووصل الأمر الى حد توجيه رسالة من رئيس الحملة الدولية لمراقبة شفافية شركات التبغية العالمية http://www.stopcorporateabuse.org/natt كيغي كالت إلى وزير الصحة علي حسن خليل يعلن فيها أسف الحملة التي تعمل على مراقبة أداء شركات التبغ في 50 دولة حول العالم، للحملة الإعلانية التي سمح فيها لشركة التبغ اليابانية أن تقوم بها بطريقة مخادعة، وقبل شهر من سريان قانون وطني يحذر الإعلان للمنتجات التبغية.
ويلاحظ أن اللوحات الإعلانية في مختلف المناطق اللبنانية تشهد طفرة غير معهودة لإعلانات عن التبغ، وتستعجل الشركات الاستفادة من الوقت الإضافي الذي منحه إياها المجلس النيابي من تساهل لجنة الإدارة والعدل النيابية تضمين القانون فترة سماح تصل إلى 6 أشهر بعد إقراره، علماً بأن «فترة السماح» هذه تُعَدّ سارية المفعول منذ تقديم مشروع القانون إلى المجلس في عام 2004.
وكان البرنامج الوطني للحدّ من التدخين، بالتعاون مع جمعية حياة حرة بلا تدخين، ومجموعة البحث للحدّ من التدخين في الجامعة الأميركية في بيروت، قد أطلق قبل شهرين مبادرة طوعية بالشراكة مع الإعلاميين المتابعين لهذا الملف بهدف رصد الإعلانات التبغية المباشرة أو من طريق الخداع وتعهد فضحها وملاحقة المرتكبين.