قبل فترة وجيزة، زار أحد كبار القادة في حركة حماس الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. نصح القيادي الحمساوي، خلال الحوار الطويل، حزب الله بأن يعتمد، على غرار حماس، سياسة تبعده بعض الشيء عن الانعكاسات السلبية للأحداث في سوريا على صورة الحزب وأمينه العام، حفاظاً على النفس، ولإمرار موجة الثورات العربية في المنطقة من دون مضاعفات سلبية على حركات المقاومة. طبعاً، أتت إجابة الأمين العام متوافقة مع ما سبق أن أعلنه عبر الإعلام، وإن استفاض في شرحها وعرض تفاصيلها أمام ضيفه، ناقلاً إليه وجود ملاحظات للحزب على ما يجري في سوريا، إلا أنها ملاحظات لا تلغي الأساس (الذي يراه حزب الله) في الصراع الدائر في سوريا والمنطقة حالياً.
يمكن حماس، من ناحيتها، أن تنظر الى الأمور بطريقة مختلفة تماماً. لها سياق سرد للأحداث مختلف، ولها منطلقات مختلفة، ورؤية وموقع آخر تماماً، وإن كان من الصعب اليوم الحصول على حوار مباشر وصريح ومعد للنشر، ولو بمضامينه، مع القادة والكوادر الحمساويين. إلا أن منطق رؤيتها يمكن استخلاصه من الحوارات مع الكوادر، ومن حوارات الكوادر والقادة الحمساويين مع الأطراف السياسية الأخرى.
أولاً: حماس لا ترى في ما يحصل في المنطقة العربية، وفي سوريا انتفاضات، أو مؤامرات، أو مجرد تدخل أجنبي يدفع الى ثورات. حماس تعتقد، بغالبية العدد المكوّن لقيادتها، أن ما يحصل في المنطقة العربية اسمه «ثورات»، وأن سوريا تعيش اليوم ثورة، لا أعمال شغب وتخريب واحتجاجات وعصياناً مسلحاً، بل حرفياً «ثورة».
ثانياً: الثورات في المنطقة العربية ليست نتيجة تآمر غربي، وهي في تونس ومصر وليبيا تعيش الحالة الضبابية الطبيعية لمراحل ما بعد الثورة، وفي كل مكان في الدنيا وقعت فيه ثورات احتاجت الى وقت، وانقلبت على نفسها مرات عدة، وتبدّلت سياساتها لمرحلة، قبل أن تستقر على حال نهائية، والدول العربية التي وقعت فيها الثورات بحاجة الى وقت قبل أن تصل الى خواتيمها السعيدة.
ثالثاً: من الظلم اعتبار هذه الثورات «إخوانية» صافية، أو أن الإخوان المسلمين ينفذون برنامج عمل غربياً، فهذه الثورات هي نتيجة ظروف محلية، والإخوان ليسوا وحدهم من شكلوها أو قادوها، وإن كان دورهم رئيسياً في أغلبها، لكنهم في المقابل لن يحتكروا السلطة وحدهم بأي طريقة من الطرق.
رابعاً: بعد أن تنهي الثورات مخاضها الحالي، والتخبطات التي تمثّل ممراً إجباريا للثورات في العالم، ستكون المحصلة النهائية إيجابية على مستوى القضية الفلسطينية، وهو ما يعني حماس على نحو رئيسي أولاً. والمؤشرات الإيجابية، وهي موقف شعوب المنطقة، والحراك الثوري فيها تجاه القضية الفلسطينية، واضحة منذ اليوم، والثورات قامت بحثاً عن الحرية، بعد قمع ومنع الشعوب العربية من التعبير عن موقفها العميق المتعاطف مع القضية الفلسطينية، والمدافع عن المقدسات الإسلامية.
خامساً: أن حماس حركة مقاومة، وهي نشأت للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولتحرير الأرض والمقدسات، وهي تتعامل مع محيطها انطلاقاً من كونها كذلك، ومن حقها أن تقيم علاقات سياسية مع مختلف الأطراف، لكنها في المقابل ليست لاعباً إقليمياً بين الأطراف، ولا تبحث عن تدخل في أوضاع عربية، سواء لهذه الدولة أو تلك، وإن كانت في بعض الأحيان تؤدي عامل «الدور المساعد» في حل نزاعات داخلية، إلا أنها في المجمل لم تكن مرة في وضع المتدخل في شؤون الآخرين.
سادساً: لحماس مجموعة مواقف سابقة وربما حالية من عدد من الحركات الإخوانية، سواء خلال الأزمة اللبنانية في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري، وموقف الجماعة الإسلامية في لبنان من الانقسام الذي ساد في تلك المرحلة، كما من تصريحات الإخوان في تونس الى الإذاعة الإسرائيلية أخيراً. وما يحكم الموقف السياسي لحماس ليس السعي الى الوصول الى السلطة كما يتهمها أخصامها، بل المصلحة الرئيسية في عملية تحرير الأرض.
كل ذلك، إضافة الى نقاط عديدة أخرى يمكن إيرادها في سياق توضيح ما الذي تريده حماس، إلا أن طرح منطق «محور الممانعة» أمامها اليوم قد يثير الارتباك لدى حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، التي كانت حتى الأمس القريب ركناً أساسياً في هذا المحور، الذي لم يكن يذكر من دون تسمية كل أضلاع المربع، من إيران الى سوريا وحزب الله وحتماً حماس. حماس تفضل اليوم القول «علاقتنا جيدة مع كل الأطراف، وخصوصاً أولئك الذين يساندون قضيتنا في المقاومة». ومهما حاولت، فلن تحصل اليوم على جواب واضح، هل قطر والمملكة العربية هما من تدعمان المقاومة؟ أم غيرهما؟ طبعاً لا جواب، ولكن «حتماً لا نثق بالولايات المتحدة»، بحسب ما ينبّهك محدثك الحمساوي.