عام 1967، لم ينكسر جمال عبد الناصر وحده. ولم تنكسر مصر وحدها. العالم العربي كلّه تلقّى صفعة الهزيمة. بدأ مسلسل التنازلات الوطنيّة، وانتقلنا من شعار «ارفع رأسك يا أخي» إلى توقيع اتفاقيّات الذلّ. انتهت مبكراً محاولات التنمية الوطنيّة. وتحوّلت مشاريع التحرّر إلى بناء شبكات من حديثي النعمة اللاهثين وراء نهب الثروة الوطنيّة، وتحقيق الربح السريع، والارتباط المباشر بمصالح الشركات العالميّّة التي باتت تتحكّم بأسعار الخبز والدواء.
عام 1967، انتهت إشكاليّة التنمية والديموقراطيّة في العالم العربي. ما عاد السؤال يُطرَح على الطريقة الكوريّة: أيّهما يسبق في الدول النامية، الحريات أم ارتفاع مستوى المعيشة؟ الملفّان أُقفِلا معاً. لا تنمية ولا ديموقراطيّة. وبات التسلّط عارياً، لا حاجة لتبريره بخُطط خمسيّة تتطلّب الصمت والتضحيات ولا باستعدادات لقتال الأعداء.
عام 1967، ارتفعت أصوات تطالب بالنقد الذاتي، وأخرى تلوم نفسها على التنازلات التي قدّمتها للناصريّة مطالبة بالعودة إلى سياسات أكثر راديكاليّة. لكنّ كلّ ذلك كان يحصل في عالم لا علاقة للجماهير الشعبيّة به. فالناس كانوا في وادٍ آخر. كانت الهزيمة قد نخرت قلوبهم وعقولهم، والشعور بالانكسار قد طغى على المشهد.
عام 1967 ليس عاماً واحداً. إنّه حالة امتدّت عقوداً تخلّلتها انتصارات ليست انتصارات، وتظاهرات ليست تظاهرات. عام 1967 هو اتفاقيّة كامب دايفيد، وهو الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وهو ضياع الوحدة الفلسطينيّة، وهو العراق الذبيح، وهو العروبة المنسيّة، وهو الإسلام التكفيريّ، وهو ثقافة مرجعيون في حرب تمّوز، وهو الديكتاتوريّات التي أباحت لنفسها كلّ شيء.
المعركة التي يخوضها شباب مصر ليست معركة إسقاط حسني مبارك وحسب. هي معركة استعادة الذات واستعادة مصر (والعرب) من قعر الهزيمة. لكنّ الديكتاتور لم يفهم. راح يكرّر كلاماً ممضوغاً قبل أن يفلت بلطجيّته في الشوارع.
اُخرجْ من الصورة أيّها الديكتاتور. فإن بقيتَ أو لم تبقَ، لقد كُسر حاجز الخوف وانتهت المسرحيّة. لن يكون في عالمنا العربيّ جمال مبارك آخر بعد اليوم. لن يكون في عالمنا العربي أحمد عز آخر. تظاهرات القاهرة مستمرّة، وها هي تحيي في ميدان التحرير حفلات سمر من أجل 5 حزيران.