القاهرة| لماذا قبل جابر عصفور وزارة الثقافة؟ الرجل ليس نبياً بالطبع. منذ تولى أمانة «المجلس الأعلى للثقافة» في أواخر الثمانينيات، وهو يؤدي دوراً بارزاً لتجميع المثقفين في حظائر «وزارة الثقافة». استخدم سياسة العصا والجزرة، وسخّر لذلك ما توافر من الجوائز والمنح واللجان والأسفار والمؤتمرات... كان يمتلك «لساناً ذرباً»، ويحمل أسفاراً وأفكاراً لتبرير مواقفه.
وكان في الكثير من الأحيان يدّعي السير على خطى عميد الأدب العربي طه حسين الذي عمل وزيراً للتعليم. وفي أحيان أخرى كان يدّعي أنه «يحاول تغيير السلطة من الداخل»! انطلت هذه التبريرات على كثيرين. حتى عندما قبل وساماً من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، عدّ ذلك وساماً من الشعب التونسي إلى الشعب المصري. قبِل أيضاً «جائزة القذافي» التي رفضها مثقفون شرفاء أمثال الروائي والمستشرق الإسباني خوان غويتسولو. يومها، قال في كلمته أثناء تسلم الجائزة: «عندما تكرمونني، فأنتم في حقيقة الأمر تكرمون الوحدة العربية والحرية والاشتراكية، فمن أجل هذا الحلم أحييكم». لم تفرغ يوماً جعبة صاحب «ثقافة التخلف» من التبريرات والتفسيرات العديدة. وكلّها لم تكن مقنعة بالتأكيد. لكنّ كثيرين غفروا له، بعدما اعتقدوا أنّه فارق السلطة إثر تركه «المجلس الأعلى للثقافة». وآخرون غفروا له تعاطفاً معه بسبب مرضه، أو تقديراً لأفكاره النقدية.
كان من الممكن أن يختتم عصفور مسيرته الطويلة على نحو راقٍ. لكن يبدو أنّه لم يتحمّل أن يكون بعيداً عن السلطة، وكرسيها المغري. سقطت ورقة التوت الباقية. وافق عصفور على أن يكون وزيراً في سلطة تحتضر. سلطة قتلت مئات من شباب مصر كرمى للكرسي. هذه السلطة غير الشرعية، اختارت وزراء غير شرعيين، فوق دماء أهل مصر المهدورة في الشوارع. وفيما كان الجرحى يسقطون في ميدان التحرير أمس، كان وزير الثقافة الجديد يعقد اجتماعاً مع رؤساء قطاعات وزارة الثقافة، يناقش خلاله عدداً من الملفات! وكان على رأس جدول أعماله قضيّة «تأمين مقارّ الوزارة والمتاحف التابعة». حتّى إنّ النقاش تطرّق إلى مسألة «التواصل مع الشباب بما يتناسب مع رؤيتهم وثقافتهم»، تقرر إثر ذلك إنشاء لجنة للشباب في «المجلس الأعلى للثقافة» يكون كل أعضائها من الشباب!
هل خان جابر عصفور دوره بوصفه مثقفاً؟ هل نسي الكثير مما كان يقوله على منصات الندوات من أفكار قرأها في كتب إدوارد سعيد عن المثقف؟ أليس هو من كان يردد خلف المفكر الفلسطيني أنّ من واجب المثقف أن يكون معكراً لصفو السلطة؟ هل سيرتاح الآن بعدما حقق حلمه بأن يصبح وزيراً؟ هل قرأ الرسائل التي أرسلها له استنكاراً المثقفون من كل بلاد العالم العربي؟ ولو قرأها، فهل فهم مغزاها؟ ألم تحرّك فيه شيئاً؟
المستعرب الفرنسي ريشار جاكمون أرسل له بعد لحظات من توليه الوزارة رسالة إلكترونية بعنوان «برقية تعزية». وجاء في نصّ الرسالة: «الدكتور جابر العزيز؛ قد يهنئك بعض الأقرباء وأصحاب المصالح على المنصب الذي لطالما طمحت إليه. أما أنا، فمثلي مثل مئات المثقفين العرب والمستعربين الأجانب، أعزي ما كنت أظنه باقياً في ضميرك من كرامة المثقف وانتماء المواطن، بعد ضياعه في حكومة الوقت الضائع هذه. وإني أدعو لك ولزملائك بزوال هذه الحكومة غير الشرعية والعودة السريعة إلى بيوتكم. تحية أحتار في نعتها».
أما الشاعر المصري عبد المنعم رمضان فبعث له رسالة نصية على الموبايل الخاص به، قال فيها: «وزيراً على جثث أبنائنا. يا للحقارة. إنّها حقاً نهاية تليق بخائن». رمضان فضّل عدم التعليق على تولّي عصفور المنصب. فقد عدّه «مجرد ذبابة لا ينبغي التفكير بها الآن» على هامش الانتفاضة. وبرأي رمضان، فإنّ «جابر عصفور أصبح على المستوى الثقافي مجرد ماضٍ غير مشرف».
حين أقسم جابر عصفور يمين الولاء للسلطة المتهاوية، كان يجب عليه أن يدرك أنّ رسالة كل المثقفين المصريين والعرب إليه في تلك اللحظة، كان يمكن اختصارها بالعبارة التالية: «جابر عصفور، إننا نحتقرك!»

أصدرت مجموعة من الكتّاب المصريين المقيمين في الخارج، بيان تأييد لـ«ثورة الغضب». وأعلن الموقعون من أدباء وباحثين تأييدهم لمطالب الشعب، وفي مقدمتها إسقاط نظام حسني مبارك بكل رموزه وقياداته، والعمل على تأليف حكومة وطنية انتقالية، والعمل على صياغة دستور جديد للبلاد، ومحاكمة رجال الشرطة المثبت تورطهم في أعمال القمع والتعذيب. وأدان البيان «الموقف المخزي للدكتور جابر عصفور، بعد قبوله تولي حقيبة وزارة الثقافة في نظام لفظه الشعب بكل أطيافه، في وقت ما زال هذا النظام يرفض التنحي عن السلطة».
الموقعون: أحمد يماني/ إيمان مرسال/ ياسر عبد اللطيف/ أحمد فاروق/ هيثم الورداني/ وحيد الطويلة/ عماد فؤاد/ ميرال الطحاوي/ أمنية طلعت/ رنا التونسي/ أحمد غريب/ إبراهيم فرغلي/ عبده السيد المصري/ طارق الطيب/ ياسر عبد الحافظ/ نبيل نعوم/ مي التلمساني/ خالد البري/ صالح راشد/ دعاء زيادة/ حنان فاروق/ مهاب نصر/ وائل عشري/ نيفين نصيري/ ناصر فرغلي.