على الغلاف | العسكري العتيد الذي فضّل البقاء دائماً في خلفية المشهد، مصراً على أن لا يبدو كبطل جنوبي في مواجهة الرئيس الشمالي، الذي لا يعرف من الأرقام سوى الرقم واحد، لذا فهو الأول والأخير، والرئيس القائد الضرورة الذي لا حاجة لليمن إلى واحد غيره، خدمه صمته في نهاية المطاف، بعدما بات على بعد ساعات من تكريسه رئيساً جديداً لليمن. حفظ هادي السيناريو المكتوب له جيداً، وهو ما جعله محافظاً على منصبه كنائب للرئيس منذ عام 1994. عرفه الناس هكذا، ببزته المدنية غير المتكلفة، وفي جلسته الهادئة المستقرة إلى يسار علي عبد الله صالح في المناسبات الاحتفالية التي يحضرانها معاً. يصفونه بالرجل الطيب، لأنهم لم يسمعوا أنه ظلم أحداً أو نهب مال أحد، لكنهم أيضاً يعرفون أنه لم يقم بمساعدة أحد، وقد يكون هذا عائداً إلى علم الناس المسبق أنه غير قادر على تحريك شيء أو جلب منفعة لأحد.
لقد ظهر على نحو واضح أن عبد ربه منصور هادي، وطوال ثمانية عشر عاماً قضاها في خانة النائب العاطل من العمل، قد ارتضى لنفسه هذا الدور وتأقلم معه.
لكن الصورة اختلفت اليوم، بعدما بات قاب قوسين من موعد تنصيبه رسمياً رئيساً للجمهورية اليمنية، وتسلّم عجلة قيادتها فترة انتقالية تمتد على طريق عامين كاملين.
يقول الباحث أحمد عبيد إن عبد ربه منصور هادي لم يكن يفكر يوماً في أنه سيكون ممارساً لمهمّاته كنائب للرئيس على نحو فعلي، ومؤثراً في صنع القرار السياسي اليمني، وها هو اليوم يجد نفسه قد صار رئيساً للدولة. ويضيف عبيد، في حديث مع «الأخبار»، إن أمر اعتياد هادي وضعه الجديد قد يحتاج إلى أشهر طويلة «كي يتأقلم ويكون قادراً على إظهار أداء عملي يتسق مع صفته الجديدة كرئيس للجمهورية».
لكن الباحثة أفراح صالح تنظر إلى الرئيس اليمني الجديد من زاوية مختلفة. فالرجل لم يوضع يوماً في اختبار حقيقي كي يُحكَم على مدى تأقلمه مع الوضع الجديد كحاكم لليمن، وعلى طريقة تعامله مع القضايا التي ستكون بين يديه، وعليه أن يقول الكلمة الفصل فيها. وتؤكد الباحثة اليمنية أن الأيام المقبلة ستكشف صراحة عن قدراته القيادية التي كان محروماً من تفعيلها بسبب سيطرة علي عبد الله صالح المطلقة على مقاليد الحكم، وإصراره الدائم على أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة في كل شيء.
من جهته، يؤكد المحاضر السياسي نبيل عبده على فكرة أن بقاء عبد ربه منصور هادي في منطقة الظل طوال فترة وجوده في هرم السلطة «لا يعني أبداً أنه ليس رجلاً قيادياً من الطراز الرفيع، بحكم تربيته العسكرية الإنكليزية». وأشار عبده، في حديث مع «الأخبار»، إلى أن هادي ومنذ الأيام الأولى التي أدرك فيها أن علي عبد الله صالح سيغادر منصبه لا محالة، وأنه البديل الذي تتوافق عليه جميع أطراف الصراع السياسي في البلاد، «نجح في التعامل مع الوضع الجديد تعاملاً لم يدفعه إلى التصادم على نحو مباشر مع صالح نفسه، أو مع أحد من أقاربه المقيمين في هرم السلطة». وتجلى هذا، بحسب نبيل عبده، في إظهار هادي رفضه المستمر لأن يكون بديلاً لصالح «ومن ثم ومع الوقت بدأ في تغيير لهجته، معلناً أنه في حال تنحّي صالح فإنه سيبقى مرجعاً له في كافة القرارات التي سيقوم باتخاذها»، لكن الوضع اختلف تماماً عندما صار أمر تسلّمه مهمّات رئيس الجمهورية أمراً واقعاً، بعد توقيع صالح المبادرة الخليجية، وبنود آليتها التنفيذية، التي جعلته رئيساً شرفياً بلا صلاحيات. ويضيف عبده «هنا اختلفت نبرة هادي تماماً، عندما أصرّ على عدم تدخل صالح في حصة حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح في حكومة الوفاق الوطني التي اقتسمها هذا الحزب مناصفة مع أحزاب اللقاء المشترك المعارض». وهو التصرف الذي أشار إليه أيضاً الباحث يحيى الذاري، الذي نوّه بواقعة خروج هادي من اجتماع المكتب السياسي لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان مخصصاً لمناقشة الأسماء التي ستكون ضمن نصيب الحزب في الحكومة المقبلة. وقال الذاري «لقد أصرّ صالح على اسم معين لمنصب وزير الدفاع بدلاً عن محمد ناصر أحمد، المقرّب من هادي، لكن رأي هادي انتصر في النهاية، وظهر اسم ناصر أحمد في التشكيلة الحكومية».
لا يبدو الرجل إذاً على تلك الصورة الهشة التي ترسخت عنه لدى الوعي اليمني، بعدما تبين أنه كان ينتظر اللحظة المناسبة كي يُظهر فيها ما يختزنه من قدرات قيادية وإمكانات متينة، لفرض صوته وخطوته الخاصة. في هذا السياق، يشير عضو في حزب المؤتمر الشعبي العام، وكان عضواً في الحكومة السابقة، وعلى علاقة شخصية بهادي، أن الرئيس المقبل لليمن يمتلك قدرة فائقة على الإنصات لمجالسيه ولا يتحدث إلا نادراً، مفضلاً الاستماع إلى مختلف الآراء، على عكس طبيعة على عبد الله صالح الذي كان محباً لامتلاك صوته على كامل الجلسات التي يحضرها.
إلا أن صورة هادي الوردية، التي يراها المقربون منه، لا يتفق معها الشاب صالح الحامدي، وهو من شباب الثورة المقيمين في «ساحة التغيير» في صنعاء، إذ يشير إلى عدم دقة هذه الصورة القيادية التي لم يستطع عبد ربه منصور هادي إظهارها طوال السنوات الماضية، التي قضاها كنائب للرئيس. ويرى الحامدي أن هادي يستغل اليوم ظروف الدعم الإقليمي والدولي الذي حصل عليه، ولعلمه أن علي عبد الله صالح سوف يغادر البلاد والسلطة لا محالة، وأن صالح لم يعد قادراً على إيذائه «وهذا ببساطة سلوك انتهازي بحت». كذلك يتحدث الحامدي عن «صمت هادي المطبق أثناء قيام القوات الأمنية التابعة لصالح بقتل الشباب طوال فترة الثورة»، فضلاً عن عدم «اتخاذه أي موقف إيجابي منها»، ليؤكد أن «هذه مسألة تجعله في المنطقة المعادية لهذه الثورة ولشبابها، وبالتالي لا يمكن له أن يكون الآن في صفهم».
بدوره، يشير الشاب محمد العفيري إلى ضرورة قراءة الزيارة الأخيرة التي قام بها هادي إلى الولايات المتحدة الأميركية، لافتاً إلى أنها «كانت زيارة تهدف إلى أخذ مباركته كرئيس جديد لليمن من هناك». ويتساءل العفيري عن السبب الذي أجبر هادي على عدم حضور مراسم توقيع علي عبد الله صالح المبادرة الخليجية، واعتذاره عن عدم الحضور في اللحظات الأخيرة، مشيراً إلى أن «الإدارة الأميركية لم تكن ترغب في أن يكون تعميد الرئيس اليمني القادم من أرض المملكة العربية السعودية».