كلّ دقيقة، وفي كلّ جوانب حياتنا، تظهر آثار الخطوات الهائلة التي يخطوها قطاع تكنولوجيا المعلومات (IT). بين التطبيقات المختلفة التي يستخدمها المراهقون على هواتفهم الذكية ـــــ للعب أو التواصل أو حتّى الإبداع ـــــ وبين خدمات الحوسبة السحابيّة التي تُعدّ مستقبل التخزين والتواصل المهني، هناك طيف واسع من المجالات لتحسين الحياة، جعلها أكثر سهولة والأهمّ تطوير إنتاجية الأفراد والشركات.
في لبنان العنصر الأهمّ في هذه العملية متوفّر بكثرة: العنصر البشري. يؤدّي هذا الوضع إلى ازدهار شركات البرمجة والمعلوماتية (IT Firms) على نحو واضح. غير أنّ أعمالها تتركّز في الخارج نظراً إلى ضيق السوق المحلية، ضعف البنى التحتية والمقوّمات، غياب التنظيم وهلمّ جراً.
«رغم تمتّع السوق اللبنانية بالحركة والمقوّمات تعتريها مجموعة من المشاكل الهيكلية والكميّة لازدهار شركات البرمجة وتكنولوجيا المعلومات» يقول رئيس مجلس الإدارة المدير العام لشركة «IBS s.a.l»، حسن لطفي. «وهكذا تسعى هذه الشركات إلى تطوير أعمالها لتشمل المحيط؛ وصلنا إلى مرحلة حيث 75% من أعمالنا تتولّد من الخارج ـــــ وتحديداً من منطقة الخليج ـــــ فيما الربع الباقي فقط يتولّد من لبنان».
يُصنّف هذا المهندس شركته على أنّها «شريك أعمال» للمبادرات الأخرى. فالأعمال التي تقوم بها شركات التكنولوجيا مثيلتها تُعنى بحلقة تبدأ من مرحلة الاستشارات لتشمل الحلول المالية التي تطلبها المؤسسات، وصولاً إلى برامج مكاتب الاستعلامات والخدمات.
وقد سعت هذه الشركة إلى نشر أعمالها في السعودية وقطر والإمارات، على أن تفتتح مكتباً في المملكة قريباً؛ «ولكن يبقى المطبخ في لبنان» يتابع مديرها الذي تحدّث على هامش مشاركته في المنتدى التكنولوجي، «Open Door»، الذي تنظّمه شركة «Microsoft» في مجمّع «Biel».
وتتعدّد أمثلة شركات تكنولوجيا المعلومات اللبنانية التي تسعى إلى بلدان المنطقة لتطوير أعمالها، والتي تشارك في المنتدى. فبحسب المهندس في شركة «BMB»، أسعد هبر، «نحن موجودون منذ عام 1996 ووسّعنا انتشارنا الإقليمي ليشمل السعودية والأردن ومصر والجزائر».
كذلك مضى على شركة «ACT» أكثر من 20 عاماً، وهي تُقدّم الحلول للشركات على صعيد التجهيزات التقنية والبرامج وتعمل في نيجيريا وسوريا واليمن، إضافة إلى السوق اللبنانية طبعاً.
هكذا، تتركّز أعمال شركات التكنولوجيا في بلدان المنطقة، ولكن السبب ليس فقط ضيق السوق المحليّة وأوجه قصورها، بل أيضاً لوجود معوقات كثيرة أمام العمل والازدهار في لبنان. ويُجمع مديرو هذه الشركات على أن السوق المحلية لا توفّر الربحية الجيدة، فضلاً عن أنّ طول فترات إتمام المشاريع ـــــ أي الوصول إلى مرحلة الدفع ـــــ بسبب عدم احترام الزبائن لبيانات العقود إضافة إلى كم من التعقيدات الأخرى، تُضاف إلى التعقيدات التي يفرضها ضعف البنى التحتية والتجهيزات.
كذلك يلفت المديرون إلى أنّ الزبائن في لبنان يخافون من كلفة الإنفاق على البرامج والمعلوماتية، رغم أنّها لا تمثّل جزءاً كبيراً من الكلفة الإجمالية لاستثماراتهم.
وفي ظلّ ضعف المقوّمات الموجودة ـــــ أي طبيعة السوق ووضع البنى التحتية ـــــ أضحت شركات تكنولوجيا المعلومات تتواءم مع الوضع القائم. «تعتاد شركات التطوير في السوق المحلية عادات سيئة جداً، تماماً كما يحصل على صعيد الممارسة السياسية، وليس مفهوماً كيف نتخلّص منها في ما بعد»، يُعلّق حسن لطفي. «يُفترض أن يكون هذا القطاع محفزاً للإبداع للتطوير، لا رهينة لغياب القوانين».
وفي المقابل، هناك سهولة ملحوظة للعمل في منطقة الخليج. «رغم تدقيق الزبون بنتائج العمل ـــــ وهي عملية قد تطول كثيراً وتُصبح تفصيلية أكثر من اللزوم ـــــ نشهد انتظاماً في السوق ومنطقاً في حلقة العمل؛ كذلك رغم الاختلاف الثقافي الذي يُمكن أن نواجهه بإمكان اللبنانيين الانخراط بحيث يرتاح الخليجيون لطريقة عملهم والتواصل معهم».
وهكذا تجد شركات المعلوماتية نفسها أمام حقيقة واضحة: «لولا منطقة الخليج، لكان قد قضي علينا منذ زمن طويل» يختم مدير «IBS» كلامه.
لكن هناك جانب آخر لهذه القضية؛ فالمؤسسات في مختلف القطاعات من الاقتصاد اللبناني تفوّت على نفسها فرصة زيادة إنتاجيتها من خلال عدم إيلاء الأهمية اللازمة للاستثمار في بنيتها التكنولوجية. وفي هذا السياق يؤكّد المسؤول عن الترويج لحلول المؤسسات في شركة «Microsoft» في المنطقة، إحسان عنتباوي، أنّ هناك أهميّة كبيرة الآن لتطوير حلقات الدمج بين مختلف أجهزة المعلوماتيّة لكي يتواءم بعضها مع بعض. وفي لبنان تحديداً، يقول: «تئنّ أقسام تكنولوجيا المعلومات في مختلف الشركات من الضغوط المتزايدة على ميزانيّاتها». ويضيف: «مع العلم بأنّ معظم الميزانيات الحالية تُصرف على صيانة الوضع القائم فيما يجب أن تُصرف هذه النسبة على التطوير وتقديم الأساليب الجديدة».
يُمكن التقنيات الجديدة والمدمجة أن تزيد الإنتاجية على نحو ملحوظ لكونها تُسهّل التواصل وتطوير الأعمال بسهولة أكبر، غير أنّها في الوقت نفسه تخفض الأكلاف التي تتكبدها الشركات «يُمكن خفض فاتورة الهاتف على نحو كبير مثلاً عبر الاعتماد على منصات الصوت على الإنترنت» يقول الخبير المعلوماتي. «كذلك يُمكن خفض نفقات السفر عبر الاجتماعات التي تحصل صوتاً وصورة عبر الإنترنت مع الشركاء في الخارج؛ استطاعت Microsoft مثلاً توفير نسبة تراوح بين 15% و20% في فاتورة السفر خلال السنوات الخمس الماضية».
وإلى أوجه التوفير هذه، هناك التوفير الذي يُمكن تحقيقه على صعيد استهلاك الطاقة مثلاً في الأجهزة الضخمة التي تستخدمها المؤسسات للتخزين (Servers) من خلال خدمات التخزين الأحدث على شبكة الإنترنت (Cloud). «على هذه المنصّات يُمكن حفظ المعلومات، وفي الوقت نفسه إطلاق التطبيقات عليها».



70 في المئة

النسبة التي تُنفقها أقسام تكنولوجيا المعلومات في الشركات اللبنانية المختلفة على صيانة الأنظمة الموجودة، وفقاً لخبير الترويج لمنتجات الشركات في «Microsoft» إحسان عنتباوي. وبرأيه، هذا الوضع مؤسف؛ لأنّ الميزانيات يجب أن تُصرف على التطوير والتحديث



أين أجد 40 Mbps في لبنان؟

تعاني شركات تكنولوجيا المعلومات في العالم العربي إجمالاً مشكلة أساسية: الزبائن في مختلف القطاعات يعتقدون أنهم يعرفون كلّ شيء عن أعمالهم ولا يعون أهميّة تطبيق تقنيات دمج العمليات في قالب تقني متكامل لتحسين إنتاجهم. وفي لبنان تصبح المشكلة مزدوجة بغياب الخدمات الأساسية يُعلّق مدير شركة «IBS» حسن لطفي. أمّا في الخليج، فتتوافر الخدمات الأساسية، من كهرباء وإنترنت واتصالات، ما يغطي نسبياً النقص في ثقافة الأعمال. «في السعودية يُمكن الحصول على اشتراك إنترنت بسرعة 40 Mbps بـ80 دولاراً فقط؛ أين يُمكن أن نحصل على هذه الخدمة في لبنان؟!».