كان حضور الوزير السابق شربل نحاس، أمس، لمشاركة جمعية «كفى» ندوتها عن إصلاح الكفالة لعاملات المنازل المهاجرات، رمزيّاً. بيد أنه دلّ على شيئين اثنين. أوّلهما، أن المؤسسات الرسميّة قادرة على أن تتخطّى في طموحاتها مؤسسات «المجتمع المدني» إذا توافر الشخص المناسب في الوزارة المناسبة. وثانيهما، هو أن القانون الأخير الخاص بعاملات المنازل، قبل نحاس، كان في أفضل حالاته ناقصاً. لم ير نحاس في غير إدراج العاملات في قانون العمل اللبناني سبيلاً إلى إنهاء هذا التمييز. ومن سوء حظهن، تأخر القانون لأسباب «بيروقراطية» قبل أن «يُستقال» الوزير نفسه.
وفي الدراسة التي عرضتها الباحثة كاثلين هامل، بتمويل من السفارة النروجيّة وإشراف من جمعيّة «كفى»، تجد طروحات نحاس صدى واسعاً قد لا يكون مقصوداً. فتلك الدراسة تشير في مقدمتها إلى أن استثناء العاملات من قانون العمل أدى إلى تراكم ممارسات عرفية، ربطت العاملة في نهاية المطاف بصاحب عمل واحد في البلاد. يمكن هذا الأخير أن يحضر العاملة على كفالته، فتعمل في منزله آخر الأسبوع، وفي منازل الآخرين باقي الأيام، وتبقى مرتبطة به. تحصل على نصف راتبها، ويحصل هو على النصف الآخر. ومثل هذه الأشياء تحدث. لم يعد الأمر خافياً على أحد. نظام «الكفالة» ينهش عرق العاملات. كأنهن من الرق. وأمام هذا الواقع، خلصت الدراسة إلى ضرورة زيادة مرونة عاملات المنازل المهاجرات في الانتقال من عمل إلى الآخر، من دون الارتباط برب عمل يكاد يكون رباً حقيقياً للعاملة، كما هي الحال في لبنان. يمكن تفادي هذه الأمور بمنح تأشيرات دخول للعمل، أو بتمديد التأشيرة ظرفياً، كي تجد العاملة عملاً آخر. في الدرجة الأولى يجب «فك الارتباط» المخيف بين صاحب العمل والعاملة. يجب منحهن حقهن في العيش حيث يردن. من شأن ذلك تخفيف المسؤوليّة الماليّة المترتبة على صاحب المنزل، بيد أن غياب المحاسبة في الأساس لا يمنح هذا الشق أيّ أهمية. من سيهتم للمسؤوليّة ما دامت المراجع الحكوميّة لا تتحرك إلا في حال «فرار» عاملة من أغلال رب عملها، أو حين «تنتحر» أخرى، فتحضر القوى الأمنيّة وتجري تحقيقاً «فولكلورياً» لتحديد أسباب الوفاة؟ إلى ذلك، تتضمن الدراسة اقتراحات لتحسين آلية الاستقدام، خفض عدد المهاجرين، ضمان الحماية الاجتماعية واللجوء إلى القضاء. والأهم من ذلك، إنشاء هيئة تنسيق وطنية للاستخدام، لا تترك العاملات تحت رحمة غول مكاتب الاستقدام.
رغم سعادة الحاضرين بوجود نحاس بينهم، لم يخف هؤلاء قلقهم من «الفراغ الذي سيخلفه الوزير. في فترة قصيرة بنوا آمالاً كثيرة. لكن، في الوقت عينه، يمكن الاستنتاج أن نحاس استعاد شخصيته الأساسيّة. كأنه تحرر من عبء الوزارة، والثقل البيروقراطي الذي يشارك الصدأ سكن أرجاء السرايا الحكومية. في جميع الحالات، وبمعزل عن التفاصيل السياسيّة المكررة، إلى حدّ الملل، يمكن الجزم أيضاً بأن نحاس لا يشبه الوزراء التقليديين في شيء. في شكله أولاً وفي أي شيء آخر. لا يضع ربطة عنق. لا تطارده الكاميرات، فلا يضطر إلى ادّعاء الابتسام. لا يتبعه وفدُ مرافق فيه طبول وأبواق إنذار وسيارات مغلّفة بالأسود. حتى إنه عندما وصل، أمس، إلى الأونيسكو، دخل القاعة خلسةً. لم يشعر أحد به. سلّم على الجميع بلا تكلّف. قد يُحسب هذا مديحاً، لكن ذلك كان المشهد في الأونيسكو. إذا استُثني المشهد السياسي، المزدحم بالطوائف، لا مفرّ من الاعتراف بكاريزما شربل نحاس، وخصوصاً في أوساط الجمعيّات. وللمناسبة، يرفض نحاس تسمية «المجتمع المدني». جميعنا مدنيّون، باستثناء الجيوش. «مصادرة» المدنيّة على المستوى اللفظي، بالعُرف، من الجمعيّات، لا تروق «صديق العاملات الأجنبيات» كثيراً.