أمس، كان قصر الأونيسكو يعج بالشيوعيين. «جَمعة» غريبة موجودة هنا. من هم ضد قيادة الحزب الشيوعي، ومن هم مع القيادة لـ«الموت». من هم مع النظام السوري، ومن هم ضده. من هم داخل الحزب، ومن هم خارجه طرداً أو هرباً أو تغيّراً في الايديولوجيا. ليست الـ «جَمعة» للمّ الشمل، ولا للتباحث أو الاتفاق على برنامج اقتصادي تغييري. وليست لوضع خطة تحرك ضد السلطة «البرجوازية» ولا لمحاولة الإجابة عن سؤال: «ما العمل؟»، أو «أين نحن من كل ما يحدث؟» مثلاً، أو لمعرفة سبب النفور الداخلي في ما بينهم، والخارجي منهم. وبالطبع، ليست للاتفاق على موقف من الوضع السوري. باختصار، لم يكن اجتماع الشيوعيين بكل أطيافهم وألوانهم من أجل هدف «داخلي» ولا «خارجي». فقد حشد الشيوعيون أنفسهم في قاعة في قصر الأونيسكو لإعلان الدعم والتضامن مع وزير العمل شربل نحاس، في اليوم الثاني لتقديم استقالته. كأنما الشيوعيون اعتادوا «الدعم» كما «التضامن»، كأنهم خارج سياق الواقع، يراقبون «السيرورة التاريخية» عن بعد، ليخطّوا في ما بعد مجلدات نظرية لوصف المرحلة، ومن ثم القول نحن نراقب ليموت النظام وحده. وعلى حد قول أحدهم «إن تدخلنا فسيصلح النظام من بعض آفاته، وسيصبح أقل استفزازاً للطبقات الشعبية، وبالتالي سيدوم أكثر».
«كل نظرية تقول إن الوضع ماشي هيك، ولا حاجة لتغييره باطلة» قال نحاس. شرح أنه عندما تتغير الظروف الاجتماعية القائمة ستتغير نظرة المجتمع إلى نفسه. رأى أن هدفه الأساس في الحكومة كان كسر النمط الاقتصادي القائم، وتلطيفاً «تعديله». فتغيير النمط وارد في البيان الوزاري، فيما رئيس الحكومة أكد أنه يريد الحفاظ على هوية لبنان الاقتصادية. يضحك نحاس ويقول: «وكأن للبنان هوية اقتصادية».
استغرب المرسوم الذي وقعه وزير العمل بالوكالة نقولا فتوش أول من أمس، والمتعلق ببدل النقل، والذي يأتي في رأسه عبارات غريبة، منها أن المرسوم صادر بناءً على الاتفاق بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، او أنه ضروري للحفاظ على الأمن الاجتماعي، وبناءً على اقتراح رئيس الحكومة. وسأل نحاس: «هل هناك حالة طوارئ ليتدخل رئيس الحكومة في هذا الموضوع؟»، مشيراً إلى أن هذا المرسوم هو انقلاب على الأسس الدستورية للدولة. أما عدم إدخال بدل النقل الى صلب الأجر كما يأتي في سياق اقتراح القانون الذي قدمه النائب نبيل دو فريج، فهو مصمم خصيصاً لإعفاء أصحاب العمل من دفع اشتراكات للضمان الاجتماعي على اساس القيمة الزائدة على الأجر، أي بدل النقل. ورأى أن هذا الاقتراح يشرعن «سرقة» ٣ آلاف مليار ليرة من الأجراء الى جيوب أصحاب العمل.
يشدد نحاس على أن تصحيح الأجور وزيادة الحد الأدنى ليسا عبئاً اقتصادياً، بل محرك للاقتصاد، إذا اقترنا بمشروع الأجر الاجتماعي. فالدولة تجبي الضرائب، وعلى هذه الضرائب أن تتحول الى خدمات اساسية للمواطنين، من نقل وصحة وتعليم، مشيراً إلى أن هذه النظرة البعيدة عن المستوى المحاسبي المحدود، تنعكس تحسناً في المؤشرات الاجتماعية، وانخفاضاً في معدلات البطالة والهجرة.
يرى نحاس أن تواطؤ الدولة مع الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، وتحوّل السلطة التنفيذية الى كاتب عدل يوقّع على أوراقهما، «يضربان» مفهوم الدولة، وخصوصاً من ناحية تصحيح الاختلال في ميزان القوى الاجتماعية، وإخراج البلد من المسار التدميري القائم. يلفت نحاس الى أن في لبنان 600 نقابة و52 اتحاداً نقابياً، الا أن قدراتها التمثيلية ضعيفة وواهنة، مشيراً إلى أنه لو كان لهذه النقابات فاعلية، لتحوّل مسار النقاش في موضوع الأجور من نقاش في الأرقام، الى فرض رؤية اجتماعية واقتصادية جديدة. رد نحاس على اتهامه بالـ«حدّة» كذلك، وقال إنها كانت موجودة فعلياً لديه في طرح مشاريعه، وهي مقصودة للرد على الانحلال والتحلل في مجتمعنا وحياتنا السياسية.
عدّد نحاس المراحل التي مر بها موضوع تصحيح الأجور من ألفه الى يائه. فقد كانت هناك فسحة لإعادة توزيع الثروة في لبنان، من خلال اقتطاع الضرائب على الأرباح الريعية، والعمل في المقابل على فرض الأجر الاجتماعي من دون أن يكون لذلك عبء محاسبي على المؤسسات، مشيراً إلى أن المشروع الذي كان يطرحه من المفترض أن يمثّل تغيراً جوهرياً في بنية الاقتصاد اللبناني، بحيث يجري تحسين الإنتاجية وتكبير حجم الاقتصاد، والوصول الى واقع اجتماعي واقتصادي يتلاءم مع طاقات، كما طموحات اللبنانيين. رد نحاس على من يتهمه بالطوباوية، لافتاً الى أن هذا المشروع يمكن تحقيقه، الا أنه لا الاتحاد العمالي العام ولا الهيئات الاقتصادية يمثلان أطراف الإنتاج، كما أن الدولة لا تريد القيام بدورها الناظم والمحقق للتوازن الاجتماعي. يصف نحاس التقاء الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية على رقم واحد «زهيد» هو التقاء بين من «بيبيعوا وبيشتروا» ومن «يباعون ويُشترون». يؤكد نحاس أن بدل النقل أجر، ويجب أن يكون من ضمن مكونات الأجر، إذ لا مبرر لوجوده إلا في هذا السياق.



اتحاد «ع ـ مالي»

انتقد الوزير شربل نحاس تقدُّم كل من الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية بشكويين ضده الى منظمة العمل الدولية. فأشار الى أن الشكويين نسخة طبق الأصل الواحدة عن الأخرى «فلم يتعذبوا بتغيير الصياغة حتى». وأشار الى أن هاتين الشكويين سثمثّلان سابقة في تاريخ منظمة العمل، إذ لم يحصل منذ حوالى 100 سنة أن تقدّم من يدّعون أنهم ممثلو العمال وأصحاب العمل بشكوى مشتركة ومتطابقة الى هذه الهيئة الدولية.