الواحدة ظهراً في وسط البلد. أجلس في بيت صديقة منتظراً وصولها مع شقيقي وزوجته، أحمد ومها كي نعود معاً إلى ميدان التحرير. يرنّ هاتفي وتبلغني الصديقة أنّ البلطجية أوقفوا السيارة عند ميدان محمد فريد. نهبوا الطعام وأجهزة الـ«لاب توب» واحتجزوا شقيقي. أطلب منها أن تقود إلى هنا وأنزل الشارع جرياً. قبل الوصول إلى موقع الحادثة، يرد شقيقي على اتصالي، يبلغني أنّ ضابطاً في الجيش أفلته وأعاد له بطاقة الهوية والهاتف الخلوي فقط، بينما ما زال هناك المزيد من المحتجزين تحت حراسة البلطجية وأفراد الشرطة بالزي المدني، وتحت بصر الجيش. أعود مع أحمد إلى بيت الصديقة. على الطريق المزيد من اللجان الشعبية التي تغيّرت طبيعتها في منطقة وسط البلد منذ أمس. استُبدل العديد من عناصرها وأصبحت الكثير من حواجزها وهمية تضم البلطجية والشرطة السرية
، يصطادون الناس ويراقبون الملامح ويستمعون إلى بحة الحنجرة التي أنهكها الهتاف. غرضهم منع المتظاهرين من الوصول إلى ميدان التحرير، أو على الأقل الاستيلاء على أغراضهم لمنع وصول أي إمدادات إلى المعتصمين في الميدان. أكتب هذه الكلمات ونحن ندرس كيفية العودة إلى الميدان من دون المرور بأولئك، وكيف نأتي بطعام إلى البيت مروراً بالبلطجية الذين تلمع أسلحتهم في نهار القاهرة. الوضع ضبابي، والموقف في الميدان يبدو هادئا نسبياً بعد يوم وليلة من الاعتداءات الدموية. «إنه الجنون» هكذا قال كثيرون وهم يراقبون الاعتداءات تتصاعد من الهجوم بالخيل والكرابيج إلى الأسلحة البيضاء، ومن قنابل المولوتوف انتهاءً بالأسلحة النارية في حصد الشبان والشابات المعتصمين في الميدان. الطاغية لا يصدّق أن «الأولاد» أسقطوه. الأولاد العزّل المحرومون من الاتصالات والرسائل والطرق البرية والسكك الحديدية والانترنت. نيرون القاهرة لم يسعفه الحريق، فبدأ يسحل ويذبح ويقنص الرقاب الحرة. لم تعد صورته مهمة ولا صورة بلاده، وليكتشف العالم أن بئر الانحطاط لا قعر له.
ماذا سيحدث الليلة؟ هل يصمد الميدان إلى الصباح؟ هل تسود الفوضى أم تتفتح الحرية في «جمعة الرحيل»؟ هل يتحرك الجيش أم نفقد الأمل؟ أمر واحد أكيد. لقد انتهى حسني مبارك، وما هذا العفن سوى رائحة المومياء.