عرضت مجموعة «الآثار السورية في خطر» على موقع التواصل الاجتماعي ـــــ فايسبوك، نسخة مصورة عن رسالة رئيس الوزراء السوري عادل سفر إلى وزيري الثقافة والمال وحاكم مصرف سورية. الرسالة المصورة تؤكد خبر «إدخال عصابات دولية محترفة معدات وأجهزة اتّصالات عبر الأقمار الصناعية، متخصصة بسرقة المخطوطات والمتاحف والخزائن والبنوك». وإذ يشير سفر إلى أن «هذه الشبكة كانت قد دخلت إلى العراق وليبيا»، طالب بتشديد الإجراءات الأمنية والحراسة بحقها، خوفاً منها على سوريا.
لا تضيف هذه الرسالة جديداً إلى واقع سرقة الآثار في سوريا، فعصابات السرقة والاتجار غير المشروع «ماشية» هناك، حيث تُهرَّب القطع إما عبر لبنان أو عبر المعابر السورية إلى أوروبا وأميركا. ولئن كانت السلطات السورية تتعامل مع الأمر بحزم، وبعقوبة قد تصل «إلى حدود عشرين عاماً من السجن»، إلا أن أهمية الرسالة اليوم في التنبيه من العصابات التي قد تستغل الحرب الدائرة لسرقة المتاحف ومخازن الآثار، بحيث يمكن التلاعب بأرقام القطع وطرق تخزينها وتهريبها إلى الأسواق الخارجية. على مدى سنوات، عملت سوريا بنحو ممنهج، لكسب السياحة العالمية. وكانت في كل مرة تسوق نفسها في المدن الأوروبية على أنها أرض الحضارات، فعمل متحف دمشق على تنظيم معارض عن سوريا في أكبر مدن العالم، وشارك في عدد كبير من المعارض الدولية في أكبر المتاحف. كل ذلك جعل اسم سوريا على كل لسان، وفتح أبواب السياحة ليصل عدد السياح السنوي أواخر عام 2010 إلى 9 ملايين زائر. لكن هذا الواقع «الرائع» لا يخفي «البشاعة» أبداً، فنشر المعلومات عن الحضارات التي مرت بها يعطي لتجار الآثار حقل عمل جديداً، فهم يستغلون واقع زيادة السياح والترويج لينشطوا في بيع القطع السورية المصدر وخلق سوق آثار لها. وهذا ما حصل بالفعل. أضف إلى ذلك أن واقع الحرب والمعارك في سوريا يمثّل حلماً لم يكن على البال للتجار، وخصوصاً أن التجارة في أي مكان تنشط في وقت النزاعات المسلحة. قد يبدأ الاتجار «بسيولة ضخمة» مقابل قطع أثرية غير محددة، وغالباً ما يكون دفع المال «على وجه السرعة» لإيقاع السكان في الشرك، ثم تتضاءل القيمة شيئاً فشيئاً، لتبدأ معها الطلبات الخاصة، مثلاً تماثيل عليها نقوش أو قطع زجاجية أو عملات فينيقية أو قطع من المتحف! هنا، تبدأ عمليات الابتزاز التي طورتها عصابات الآثار خلال الحروب الماضية في الشرق الأوسط. وهذا ما شهد عليه المواطنون العراقيون الذين كانوا يلبون حاجة سوق الآثار، فيما كانت المعارك لا تزال مندلعة. في بعض الأحيان، قد يخال المرء أن عمل العصابات في مثل هذه الظروف قد يأخذ الكثير من الوقت، لكن الواقع يثبت عكس ذلك، فعصابات الآثار لها «مفاتيحها» في كل منطقة تعدّ تاريخية. تعرف باب من تدق. ولئن كان الوضع في سوريا حرجاً للغاية، وخصوصاً أنه إلى الآن لم تغرق سوق الآثار اللبنانية وغيرها بالقطع السورية المصدر، إلا أن هذا التأخير لا يعني أبداً أن الخطر ليس وارداً أو أن السرقة على الأرض لم تأخذ مجراها بعد. وطبعاً بسبب استحالة زيارة المواقع الاثرية في سوريا والتأكد من الواقع على الأرض، يستحيل الجزم بأن السرقات لم تبدأ بعد. فالعصابات باتت تعرف كيف ومتى تغزو السوق، ولهذا الغرض بدأ بعض علماء الآثار في جامعات الغرب مراقبة مواقع الإنترنت التي تعرض القطع الأثرية للبيع لرصد أية عروضات جديدة، قد تكون من سوريا.
ثمة خوف أكبر من كل هذا، هو سرقة المتاحف نفسها، التي تخطى عددها في سوريا 25 متحفاً. فخلال العقد الماضي، قررت السلطات السورية أن تبقي القطع الأثرية المكتشفة في المحافظات، فعملت على إنشاء متاحف أثرية في كل المحافظات. الخطوة رائعة ولا شك؛ إذ تهدف إلى تقريب الشعب من الآثار، وحث السياح على التجول داخل البلاد، ولكن في حال النزاعات المسلحة قد تسرق هذه المتاحف بلمحة بصر. فهل عمدت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا إلى توضيب كل القطع؟ لا أحد يجيب عن هذه الأسئلة في سوريا.