سعيد خطيبي
«أعرف الغناء ولا أحسن الكلام»، يسرّ إلينا الشاب فضيل مبتسماً، قبل أن نبدأ الحديث. التقيناه في مجمع «رياض الفتح» في الجزائر العاصمة، لنحكي عن آخر أسطواناته «ذاكرة البلاد» (2010 ــــ Bled Memory) وذاكرته المترعة بصور تلك البلاد، وبمشوار حياة لم تكن دروبها دائماً مفروشة بالورود. أخذت أسطوانته الجديدة وقتها كي تنضج، ثمّ تأخر إصدارها عن الموعد الذي كان معلناً خلال تشرين الأول (أكتوبر)، «بسبب مشروع دويتو مع ميريام فارس. كان من المنتظر أن نؤدي معاً أغنية «سالمة يا سلامة» المقتبسة عن أغنية داليدا الشهيرة. لكن الدويتو لم يبصر النور واضطر فضيل، أو Faudel كما يكتب بالفرنسيّة، إلى استبعاد الأغنية من الألبوم الجديد الذي يتضمّن تسع أغنيات تتقدمها «البيضا مون أمور» (حبيبتي البيضاء البشرة) المقتبسة عن الشاب حسني (اغتيل في وهران عام 1994)، و«الزينة» عن فرقة «راينا راي» (أشهر فرق موسيقى الراي في الجزائر تأسست عام 1978)، و«سيدي حبيبي» المأخوذة عن شيخة أغنية الحوزي فضيلة الدزيرية. كما أنّه لم يهجر إرث داليدا نهائياً، بل اختار أغنية «بامبينو» الشهيرة التي لحنها المغني اليهودي الجزائري ليلي بونيش وأغنيات أخرى...
يقرّ فضيل بالبصمة التي تركتها الأسماء المستعادة في الألبوم على بداياته الفنيّة. لكنّ اختياره لها جاء لشعوره «بأننا بدأنا ننسى بعض رموزنا الموسيقيّة». استعادة أعمال قديمة، والرجوع إلى الأساليب التلحينية الكلاسيكية، خصوصيّة ميّزت ألبومات الراي الصادرة خلال السنتين الماضيتين، من الشابة الزهوانية في «لو كان» العام الماضي، إلى «ليبرتي» للشاب خالد الذي غرفَ من ريبرتوار الشيوخ أمثال بلاوي هواري والراحل أحمد وهبي.
أمّا عمل فضيل الجديد فمرادف لخروجه النهائي من الأزمة النفسية التي عصفت به، عقب الحملة الإعلاميّة الشرسة التي تعرض لها صيف 2007، إذ خرج إلى العلن دعمه الضمني للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الحملة الانتخابيّة التي أوصلته إلى قصر الأليزيه. خلال تلك الفترة، شهدت حياة صاحب «أريد أن أعيش» تقلبات كثيرة أدّت إلى انفصاله عن زوجته أنيسة وعن ابنه الوحيد، وما تخللت ذلك من محاولات انتحار، ودخول مستشفى الأمراض النفسيّة لفترة من الزمن. «أعترف بأنّ مسؤولي حملة ساركوزي ورّطوني سياسياً»، يقول. في حديث إلى مجلّة «لو باريزيان» الفرنسيّة، أعرب فضيل عن خيبة أمله من الفرق بين أقوال ساركوزي وأفعاله. وها هي أسطوانته العابقة برغبة العودة إلى الجذور، تبدو نوعاً من إعلان التوبة عن ردّته تلك.
حين تجلس وجهاً لوجه مع هذا الشاب الثلاثيني، يبدو لك كأنّه تجاوز العقد السادس من عمره... كثافة الأحداث وتعدد المحطات التي تخطاها، تركت أثرها على سحنته اليافعة، منذ ولادته في ضاحية مانت لا جولي (Mantes-La-Jolie) شمالي باريس، حتّى صعوده سلّم الشهرة. أبصر فضيل النور وسط عائلة مهاجرين جزائريين متواضعة، أتت فرنسا تاركةً مدينة تيزي أوزو في منطقة القبائل (شمال الجزائر). قبل ثلاثة أشهر من ولادته، كان حلم والدته الوحيد هو أن تضع طفلاً يحمل «بريق عيني المغنية الفرنسية ماري لافوري». عائلة المهاجرين من آل بيلوى «قاست، كثيراً في منتصف الثمانينيات، وادّخرت طويلاً بغية اقتناء جهاز تلفزيون»، ثمّ نقلتها نجومية فضيل، الابن الثالث بين ثمانية صبيان، من الحي الشعبي إلى فيلا في مدينة الجن والملائكة منتصف التسعينيات. الشاب الذي تأثّر في طفولته بصوت جدّته المدّاحة، وغنّى الهيب هوب كأترابه من أبناء الضواحي المنتفضين على وضعهم الاجتماعي، لا ينكر دور شقيقه الأكبر كريم في نجاحه. أسس كريم فرقة «نجوم الراي»، فالتحق بها فضيل وهو في الخامسة عشرة، بعد استدعاء الأخ الأكبر إلى الخدمة العسكرية. هكذا انطلقت تجربة فضيل الفنية، إذ استطاع قيادة الفرقة والوقوف على منصات عدد من المهرجانات الموسيقية في فرنسا، والأهم من ذلك الغناء إلى جانب الشاب مامي و«قدوته» الشاب خالد. يتحدّث فضيل عن هوسه بأعمال هذا الأخير في بداياته. كان يستمع إليها باهتمام ويميل إلى تقليد صاحبها. «نحن نتعلم من متابعة الآخرين، ويتعلّم آخرون من متابعتنا وهكذا دواليك».شرّع فضيل أولى نوافذ النجومية بعد اللقاء الذي جمعه عام 1996 مع شركة «ميركوري». وقّع مع هذه الأخيرة عقداً يقضي بإصدار خمس ألبومات، قابلة للتجديد، تكلّلت بإصدار ألبوم «البيضا» (1997)، وضمّ أغنية «نبغيك» التي كانت خطوته الحقيقيّة نحو الشهرة العالميّة. أكمل مشواره ليمنحه ألبومه الثاني I, 2, 3 Soleil (١، ٢، ٣، شمس) لقب «أمير الراي الصغير». سُجّلت الأسطوانة مع خالد ورشيد طه خلال حفلة جماهيرية ضخمة جمعت الثلاثي، في أيلول (سبتمبر) 1998 في قاعة «قصر برسي» الباريسي وعرفت شهرة واسعة في العالم. نتذكّر جميعاً كيف قامت الدنيا ولم تقعد حينها على أنغام «عبد القادر بو علام». استمر حضور فضيل في عالم الراي عبر ألبومات «سمراء» (2001)، و«شمس أخرى» (2003)، و«مونديال كوريدا» (2006) الذي يكشف من خلاله جزءاً من سيرته وهويته المشتتة بين ضفتي المتوسط.
إلى جانب الغناء، خاض فضيل تجربة التمثيل التلفزيوني والسينمائي. كانت البداية مع «خفقان أجنحة الفراشة» (2000) مع أودريه توتو، ثمّ مسلسل «سامي، قطعة شطرنج» (2001)، على قناة M6. وفي عام 2004، أطل في فيلم مرزاق علواش «باب الواب» حيث لعب دور شاب جزائري، مقيم في حي شعبي، يبحث عن سبيل للهجرة إلى فرنسا من خلال ربط علاقة صداقة مع فرنسية عبر الإنترنت. «نشأت علاقتي بالفن السابع من خلال تأثري ببعض كلاسيكيات السينما الجزائرية، من «حسان طيرو» لمحمد عياد، و«عطلة المفتش الطاهر» للحاج محمد عبد الرحمان ويحي بن مبروك الذي نلت شرف التقائه قبل وفاته».
تتزاحم في مخيلة فضيل طموحات وأحلام كثيرة. بعضها حكى عنها في كتابه البيوغرافي «مسيرة ابن المدينة» (منشورات ميشال لافون ــــ 2008) وبعضها كشفه لنا، للمرّة الأولى، مثل رغبته بالعودة إلى «البلاد» من خلال غناء بعض اللهجات المحلية، وخصوصاً اللّهجة الشاوية...


5 تواريخ


1978
الولادة في Mantes-La-Jolie،
ضواحي باريس

1997
أصدر ألبوم «البيضا mon amour»

1998
المشاركة في ألبوم «1،2،3 شمس» مع الشاب خالد ورشيد طه

2004
مثّل في شريط مرزاق علواش «باب الواب»

2010
أصدر ألبوم Bled Memory

Faudel - Baida
Uploaded by faudel. - Watch more music videos, in HD!