يفترض كثيرون اليوم، أنّ لبنان أصبح قبلة لمثليّي ومثليّات الجنس في الشرق الأوسط، وأنّ مسيرة النضال من أجل التحرّر قد بلغت مراحل متقدّمة، خاصة مع ازدياد عدد الحانات والفنادق والمناسبات التي تصنَّف «صديقة» للمثليين والمثليات.انطلاقاً من هذا الطرح الذي أصبح سائداً في أوساط عدّة، اختارت المؤسسة الدولية السياحية للمثليين والمثليات، في تشرين الثاني الماضي، بيروت إحدى أفضل العواصم السياحية للمثليّين والمثليات، وذلك لعقد اجتماعها السنوي، الهادف إلى التسويق للسياحة الخاصة بتلك الفئة. وقد روّجت للبنان على أنّه جنّة المثليين/ات، موضحةَ أنّ «وضع المثليين/ات في لبنان قد تحسّن كثيراً، حيث افتُتح العديد من الحانات، النوادي الليلية، المطاعم، وقاعات السونا التي تعمل بحرّية، وأنّ هناك مؤسسات تعمل على تلبية حاجات هذه الفئة».
(http://www.beirut2010.com/)
من جهة ثانية، استقطبت سهرات المثليين/ات عدداً من الصحف العالمية، أبرزها «نيويورك تايمز» التي قالت إنّ «بيروت تمثّل شرق أوسط مختلفاً للمثليين/ات، والمكان الوحيد في المنطقة حيث يستطيع هؤلاء ممارسة حياة اجتماعية علنية» (http://travel.nytimes.com/2009/08/02/travel/02gaybeirut.html)
لكن إذا نظرنا إلى وضع المثليين/ات، في ظلّ هذا المجتمع الرأسمالي والذكوري، نرى أنّ التمييز، وحالات الاعتقال والتحرش الأمني، لا تزال تطال شرائح واسعة منهم/ن وخاصة أولئك الذين/ اللواتي ينتمون/ ينتمين الى الطبقات العاملة والفقيرة. فالمادة 534 من قانون العقوبات، لا تزال تعدّ المثلية جرماً يحكم عليه بالسجن. وقد بيّنت الدراسة التي أعدّها المحامي نزار صاغية (http://helem.net/node/53) أنّ معظم الملاحقات تطال فقراء المثليّين.
هذا التناقض بين الصورة التي يروَّج لها والواقع، يعبّر عن ثغرة واضحة، تتمثل في طرح يفترض أنّ الميول الجنسية هي العامل الوحيد الذي يجمع بين هؤلاء، ويتغاضى، في الوقت نفسه، عن أنّ الفروقات الطبقية هي عامل أساسي. في الواقع، هناك فرق كبير بين مصالح مثليي/ات الطبقة العاملة والفقراء، وبين أولئك الذين وجدوا موقعاً جيداً في هذا النظام.
الليرة الزهريّة وثقافة الاستهلاك
لا يزال هذا النقاش خجولاً جداً في أوساط الناشطين/ات في الحركة المثلية، ولم نرَ حتى اليوم أيّ انتقاد جدّي من الجمعيات والحركات التي تعمل على تحرر المثليين/ات، في هذا الصدد.
في الواقع، المشهد المثلي الذي نراه اليوم، هو عبارة عن صورة نمطية لما يجب للمثلي/ة أن يكون/ تكون. فالميول الجنسية وحدها لا تكفي اليوم لكي تكون/ي مثلي/ة، إذ أصبح هذا المصطلح يعبّر عن نمط حياة يرتبط بنوع الملابس، والاكسسوارات، وأماكن السهر، ونوعية الموسيقى، والمجلات، وحتى نوع المشروب. بل وأصبح هذا النمط مؤشراً للتحرر. وبالتالي، فإنّ السوق هنا هو من يحدد الشكل ونمط الحياة الذي يجب أن يلتزم به المثليون/ات، وهو من يحدد بالنتيجة من هو/ هي المثلي/ة. وفي السياق نفسه، فإنّ الفروقات الطبقية في المجتمع، تنعكس بدورها على المثليين/ات. فهناك أولئك الذين يجدون مصلحة لهم/نّ في الإبقاء على هذه الثقافة الاستهلاكية واختصار مسألة التحرّر تبعاً لهذه المؤشرات، فيدعم كثير من الناشطين/ات مثلاً، أصحاب الملاهي الليلية والحانات والمطاعم المسمّاة «صديقة» للمثليين، بحجة أنّها توفر مكاناً آمناً لهم/نّ، كما أنّها تتيح مجالاً من الحرية، بالإضافة إلى أنّها توفّر فرص عمل مريحة لهم/نّ.
في الواقع، إنّ التسعيرات المعتمدة لدى تلك الأماكن تفوق غيرها من أماكن السهر، كأنّها تريد أن تقبض ثمن القمع الموجود من خلال القانون والتمييز. فضلاً عن أنّ حيّز الحرية الذي يتحدثون عنه لا ينطبق على جميع المثليين/ات، بل يختلف بحسب طبقتهم الاجتماعية/ الاقتصادية أيضاً، فيتعرض الكثيرون للتحرشات، وأحياناً للضرب على أيدي رجال الأمن الخاص في تلك الأماكن. أما العلاقة بين أرباب العمل والموظفين/ات، فتتّسم بالمعايير نفسها الموجودة في أيّ مكان عمل آخر في ظل هذا النظام في ما يتعلق بساعات العمل الطويلة، والأجور المتدنية، وضوابط المظهر والتصرف، بما يتناسب مع المجتمع.
القبول بالنظام أم محاربته؟
نتيجة لذلك، فإنّ النضال من أجل تحرر المثليين/ات يصبح معركة تسعى الى تقبّل النظام لا محاربته، ويصبح استسلاماً للسوق بدلاً من مقاومته. لقد أصبح أمراً مقبولاً أنّ المثليين/ات هم مجموعة من المستهلكين/ات، وأنّ هذا الاستهلاك هو ضمانهم الوحيد ليصبح/وا مقبولين/ات في المجتمع.
لكن من جهة أخرى، فإنّ العوامل الطبقية والجندرية هي بالتحديد ما يعطي الامتيازات لفئة معيّنة بأن تكون ظاهرة ومعبّرة بوضوح عن ميولها الجنسية، وبالتالي أن تكون مسيطرة في المشهد المثلي على الأجندة السياسية.
المطلوب اليوم حركة تنبثق من مصالح مثليي/ات الطبقة العاملة وتمثّلهم/هن. حركة تحمل شعارات تغييرية جذرية، تثور على هذا النظام، الاقتصادي خصوصاً، الذي يهمّش أغلبها ويضعها في مواجهة أنواع مختلفة من التمييز. حركة رافضة لثقافة الاستهلاك التي تقوم على مبدأ الاستغلال، حركة تضمن تغييراً حقيقياً في المجتمع كله. فلنبدأ بإسقاط النظام الطائفي!
* رئيسة الهيئة الإداريّة في جمعيّة «حلم»
16 تعليق
التعليقات
-
شكرا لهبة عبّانياود ان اشكر هبة عبّاني وموقع الاخبار لنشر هذه المقالة التي تجعل القارىء يفكر باساليب مختلفة لمساعدة الناس في الوطن العربي على تقبل المثلية الجنسية كما يتقبلها الناس في معظم بلاد الغرب. واني فخور جدا بلبنان لانه اول بلد عربي يصل الى هذه النتيجة. واخيرا فاني احلم بوطن عربي واحد حيث يمكن للمثليين العرب ان يعيشوا بكرامة وسعادة وبدون تهديد او خطر عليهم.
-
يسلم تمّك :] هالقصص مايسلم تمّك :] هالقصص ما بشوفوها اللجان بس يجو, بس بهيصوا للبار و بفلّوا. و لازم كلّ الطبقات تتحرّك, مش بس الم.م.م.م.م حتّى نسقط النظام الطائفي.
-
تعقيبأي قيم؟ و ما معناها؟ الموقف الإسلامي السني و الشيعي ملتبس من المثلية ، فهي تلتف عند العلاقة بين المثليات و تحارب مسألة الجنس الإختراقي لدى الرجال. هل ، و السؤال هنا يجب أن يُطرح، لدى المنظور الفكري الديني الدنيوي تَفَهُم و تعاطي متواز مثل ذاك الذي يدعو لبناء الأسرة و الزواج لإنشاء عائلة حينما يختص اللأمر بالمثليين؟ أنا و من فهمي الشخصي أجد أن الجواب لا. فالإسلام ، إذا أردنا أن نحاجج بأنه منبع القيم لدى منطقتنا العربية لم يتناول المثلية إلا كخبر و رواية في القرآن عن قوم فكرهم و سلوكياتهم تطبعت بالثقافة الإشباعية الجسدية آن ذاك أي "قوم لوط"، لكن لم يتم التطرق للمثلية كتعبير عن الرغبة بالتوازي مع المحيط الأكثري مِن مَن يتزوج. ثانياً، ما هذه الأساطير عن الغرب و التفكك الأسري لديه؟ أذكرها تماماً أيام الدراسة في الثانوية و من كان يبرمجها من مدرسين ليرينا نصف حقيقتنا. كم نسب الطلاق في الخليج الذي فيه أعيش؟ كم نسب الزواج المؤقت لإشباع الجسد تحت ستار الشرع و التخلي أو حتى قتل الأجنة في لحظة تهرب؟ المثلية لم تأتي من الغرب ، لعل مصطلحاتها و مفاهيمها الجديدة تطورت و نقلت إلينا عبر وسائل إعلام و برامج ترفيه تتبنى الصور النمطية ، لكن في الواقع هي جزء منا ، فهي ما نتهرب منه منذ سنين لكي لا نجد لها ذلك التوصيف و نحتضن ذلك القبول.
-
من وضعك يا عزيزي منظّما علىمن وضعك يا عزيزي منظّما على المجتمع حتى تسمح أو تمنع المثليين والمثليات من ممارسة حقوقهم في العلن أو في الاماكن المغلقة؟ يجدر بك المحافظة على حريتك الشخصية من دون التفضل برأيك في ما يخص حريّة الآخرين الشخصية، مثليين أو غير مثليين! وان كنت تنزعج من مناظر معينة، فجنّتك بيتك.
-
الحقوق لا تتجزاءردا على الاخ محمد: ان الديانة الاسلامية يمكن اعتبارها انها "تستفز" المعتقدات المسيحية مثلا... فهل ليس للمسلمين ألحق بممارسة حرية معتقداتهم بغير بيئتهم؟؟؟ طبعا لهم الحق، وهذا ينطبق على حريات وحقوق المثليين/ات... كما ينطبق على كل شرائح المجتمع بغض النظر عن اختلافاتهم... ان الحقوق لا تتجزاء وان الحريه هي اصل الاشياء... وشكرا
-
توضيحيعبر هذا المقال عن وجهة نظري الشخصية و ليس عن موقف جمعية حلم . اقتضى التوضيح !
-
حقوق المثليينللأسف ما زالت العقليات و النفوس اللبنانية و الشرقية تعتمد السكيزوفرينيا و ازدواجية المعايير في ظل كبت و قمع ديني و سياسي و مجتمع أبوي طبقي رأسمالي، حيث أصبحت حرية الفرد الشخصية مرهونة بتقاليد اجتماعية بالية و صدئة. إن المطالبة بحقوق الثليين ليست تماثلا بالغرب فالحرية الفردية في الحياة الشخصية حق للجميع و ليست حكرا على الغرب. أما بالنسبة لليرة الزهرية، و على الرغم من بعض التحفظات، أعتقد أنها قد تكون الوسيلة الأكثر فعالية لإلغاء المادة المشؤومة ٥٣٤، في ظل السياق السياسي القائم حاليا في لبنان.
-
دخلكم في علاقة بين المثلية ودخلكم في علاقة بين المثلية و الفينيقية ؟َ!؟!؟!
-
اصبحنا في زمن تعتبر الحرياتاصبحنا في زمن تعتبر الحريات فيه معارضة التقاليد والمجتمع والدين والإنسان بشكل عام. في مجتمع مترابط تسيطر عليه مفهوم العائلة قبل أي مفهوم أخر، تأتي نسائم الغرب بل أعاصيره الهدامة على مشرقنا على هيئة كوابيس ويظهروه على أنه حلم. و أود أن لا استيقظ يوماً على هكذا حلم. لماذا نتمسك بكل ما هو مسيء لمجتمعنا ويحاول هدمه، كل ما هو مسيء للعائلة والإنسان، نتمثل بمجتمعات الغرب إلى أن مجتمعاتهم لا يمكن أن تكون قدوة لنا، هذه الدول المتقدمة بكل شيء عنا متخلفة بمجتمعاتها، لا ترابط أسري، لا مفهوم أخوي، و قيم في أدنى مستوى، ويكفي أن نلقي نظرة على مستويات الطلاق أو عدم الزواج في تلك المجتمعات. أول غريزة تولد في الانسان هي غريزة البقاء والاستمرار، فكيف الاستمرا من دون أسرة وعائلة، أو أية أسرة تكون من دون أم أو أخرى من دون أب، لا بل أية أسرة فيها أمهتين وأبوين في آن. وما هي الحقوق التي يريدون، الزواج، وهل التزاوج يكون بين ذكرين أو أنثتين، حتى لغوياً لا تصح، ألا يظن المثليين أن أفعالهم قد تسئ لقيم غيرهم، بل تشكل إهانة لكل معتقداتهم، أية حقوق يطلبها شخص من مجتمعه وهو لا ينتمي إلى بيئته ومجتمعه، أية حقوق هي التي يريدون. برغم من أني أرى أنا لهم الحرية الشخصية بفعل ما يريدون ضمن بيئتهم المغلقة، أرى أن ليس لهم ألحق بممارسة هذه الحرية بغير بيئتهم، لأنها تؤثر على حرية غيرهم وتمس قيمهم وتستفز معتقداتهم. وشكراً