لا يمر يوم من دون موقف في السياسة أو الزمالة، يحاول تذنيبك، أو حتى تجريمك، بلغة أبوية بطريركية، على خلفية أنك لم تلتحق بعد بثورة مجلس إسطنبول، أو لم تتطوّع بعد في الجيش الأحمر الجديد لصاحبه رياض الأسعد وشركاه. والمطالعة الحكمية جاهزة: بناءً على كل ما سبق، أنت مع نظام القتل والسحل وديكتاتورية الحزب الواحد. في كلام كثيرين من هؤلاء ما يقزّز النفس، من خبث وكذب واستغلال لآلام الناس واستثمار في الدم.
ولندقق في الموضوع أكثر. أولاً، لا يمكن أياً كان المزايدة على من كسر الجزمة السورية في لبنان، خصوصاً من ماسحيها بالجباه والألسن، ومن معبّدي دروب البوريفاج وعنجر ودمشق، بشتى العروض وحتى العروض...
ثانياً، العنف مدان بكل أبعاده. فجزّار حمزة الخطيب في درعا، متساو مع جزار بابا عمرو الذي روى من طرابلس مفاخراً لدرشبيغل. والاثنان مساويان لجزار استثمار الاثنين، في لعبة قانون انتخاب أو عقد بالتراضي أو تمديد استحقاق إقامة في قصر هنا، أو مراكمة فيض نِعم الغاز، تحسيناً لحظوظ الأولاد في وراثة قصر هناك.
ثالثاً، إذا كانت المسألة تطلعاً صوب ديمقراطية، فتلك أبعد ما تكون عن تبسيطها في معادلة رأي الأكثرية، أو اختزالها بلعبة تعداد رؤوس في فراغ صندوق. الديمقراطية في جوهرها ـــ رحم الله جوليان فروند «المقاوم»، وإديث شتاين «المسيحية» ــــ حركة جدلية متضادة: من جهة ثبات في ضمان الحقوق الأصيلة الطبيعية غير القابلة للتصرف لكل شخص إنساني. في مقابل تناوب دائم على السلطة، وهو تناوب أفكار لا مجرد مهزلة تناوب أشخاص، من جهة أخرى.
هذه الديمقراطية الحقيقية، لو يدلنا إليها مدّع ـــ بمعنيَي الادّعاء ــــ في أي مكان من أمكنة ثورات اليوم. بيان «الإخوان» في سوريا؟ طيب ألستم أنتم أنفسكم من طبل الدنيا بمقارعة بشار الأسد بأن عبرة مواقفه في الأفعال لا بمجرد الأقوال؟ فلنطبّق معادلتكم نفسها على «أفعال» الإسلاميين في مواقع انتصارات ثوراتكم. فلندع ليبيا جانباً، حيث لم تعد ثمة دولة، بل تفكيك تذرري يعيد إلى ما قبل مرحلة الاجتماع البشري. وحيث لم يعد يصح الكلام عن عودة إلى سلفية إسلاموية، لأن التراجع بلغ الجاهلية ولا يزال موغلاً في الزمن البائد. ولنترك المثال اليمني، حيث تركة القبائل والخناجر وبقايا «القاعدة» والقات... أعجز من أن تبني شبه أي شيء، أكان دولة أو ثورة. ولنذهب إلى تونس ومصر. تونس لأنها وطن الحداثة البورقيبية، ومصر لأنها «أم الدنيا» العربية. فكل ما يصير فيها ينسحب على دنيانا.
هذه جردة سريعة عن أخبار تونس: الأمين العام لحزب الغنوشي يعد بأن تشهد تونس الخلافة الراشدية السادسة، ذلك أن السلفيين يضيفون عمر بن عبد العزيز خليفة خامساً إلى «الراشدين». إحراق تلفزيون لعرضه مسلسلاً درامياً. المسرح ممنوع بأمر من «جماعة نصرة كتاب الله». مطالبة بقانون الجارية بدلاً من تعدّد الزوجات. منذ منتصف شباط باتت هناك هيئة مطاوعة باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. سجن صحافيين لنشرهما صورة فتاة. منع مغنيات لبنانيات من الدخول إلى تونس إلا على «جثة وزير الثقافة». هجوم سلفي على جامعة من أجل فرض النقاب فيها. نزع العلم التونسي عن جامعة واستبداله بالراية السوداء علم السلفية ...
تريدون آخر أخبار مصر؟ في رسالة له تحت عنوان «وضوح الهدف والإصرار عليه.. طريق النهضة»، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع يبشرنا بـ«أن الجماعة أصبحت قريبة من تحقيق غايتها العظمى التي حددها مؤسسها الإمام حسن البنا... حكومة ثم خلافة راشدة». الناطق باسم الإخوان: «الخلافة الإسلامية حلمنا الاستراتيجي الذي نسعى لتحقيقه». اقتراح «قانون بيت المال» على أنه «بيت مال المسلمين بداية حلم عودة الخلافة الإسلامية»، و«قانون حدّ الحرابة»، أو الإعدام وفق الشريعة الإسلامية. تكفير ممثّل لأنه بصدد تقديم شخصية الراحل البابا شنودة من خلال عمل درامي. لأنه «لا يجوز لمسلم أن يجسد شخصية مسيحي، لما يحتويه الإنجيل من بعض الآيات التي لو قالها المسلم فستصل به إلى درجة الشرك والتكفير والإلحاد». إنشاء مؤسسة «هوية» لإخضاع كل ما هو ثقافي للشريعة. تكفير الكبير أحمد فؤاد نجم. محاكمة عادل إمام. مرشد الإخوان يصف الإعلاميين بـ«سحرة فرعون الذين يتّبعون أهواء الشيطان» ... ما الذي ينتظرهم إذن؟
هذه هي حقيقة المشهد. أفلا يحق لإنسان ألا يجد نفسه فيه؟ فإذا لم يكن ذميّاً ليخشى انتقام الأكثرية، أو ليسكت عن المطلوب الثورة عليه في المطلقات الإسلاموية، وإذا لم يكن انتهازياً ليأخذ مال مشيخة نفطية بذريعة تحقيق ديمقراطية مشرقية، وإذا لم يكن «إسلاموفوبياً»، لأنه يعرف أن يرفض ويغضب بدل أن يخاف ويمتثل أو ينعزل... إذا كان كذلك، فلن تنفع معه سحناتكم المقلوبة ولا كيدكم ولا حقدكم، ولا خصوصاً إرهاب هولوكوست ثوراتكم.
8 تعليق
التعليقات
-
بعد ما عمشوف شو عم يعملبعد ما عمشوف شو عم يعمل الإسلام المعتدل ، ما بقى في قول إلا يا مهدي أدركنا. في كتير من اخوانا المسيحية عم يتساءلوا ، إذا فلتوا عليون السلفيين شو لح يصير فيون، بس أنا كمن عم بتساءل شو لح يصير فينا نحن بالضاحية إذا فلتوا علينا السلفيين ، ساعتا لا بقى ينفع لا مهدي ولا حسن.
-
من الأفعال ايضا لا الأقوالاستاذ جان اوافقك على المخاوف التي تطرحها ولكنك تجاوزت عن أخطرها : وذلك عندما خرج السلفيون من البرلمان المصري حتى لا يقفوا دقيقة حداداً على البابا شنودة الذي وصفوه بالإعلام صوت وصورة بأنه رأس الكفر!!! مجرد وقوف دقيقة صمت بروتوكولية لم يقدرو على تحملها.. كذلك تصريح الشيخ وجدي غنيم( من منظري الإخوان) الذي تحدث ل 10 دقائق عن الأسباب الشرعية التي تحرم تقديم التعازي به قائلاً الحمد لله الذي اراحنا منه وأيضاً وصف البابا برأس الكفر!!(راجع اليوتيوب ) اذا البابا شنودة الذي لا يؤذي نملة، وبهذا يصفوه فكيف بمن يحاول مجابهتهم؟؟؟
-
يسلم تمك يا استاذ جانيسلم تمك يا استاذ جان
-
رايتهم تدل عليهمرايتهم سوداء في اللون وفي كل شيء فبالله عليكم ليقل لي اي عاقل أياً كان دينه وأي عالم أياً كان علمه كيف تكون حياة في ظلام حالك.
-
الشعوب انتفضت لاجل الحرية اولاً !!!برغم النظرة البسيطة والقصيرة والنمطية المتأتية من بيروقراطية "الديمقراطية" اللبنانية للكاتب في تحليل اوضاع بلاد الثورات العربية, (وذلك بحكم التدخل الخارجي والتأمر على شعوب الثورة حديثي العهد بالعمل السياسي, و قصَر زمان الثورة) , فإن هذا لا يعط الكاتب الحق في تبرير سحق الثورة السورية من قبل نظام الاسد (الحليف الطارىء للكاتب وتياره) ايّاً كانت الاسباب. وهل وجد الكاتب الديمقراطية المنشودة عند نظام الاسد حتى يبحث عن "مدّع" يدله عليها في بلاد الثورات العربية؟؟ على الاقل هناك بيت مال المسلمين, كما يمكن لعقلاء المسلمين لجم متطرفيهم بشكل أو بأخر, أما عند الاسد فيوجد بيت مال العائلة , ولا يمكن لجْم الاسد عند قتل معارضيه وإعدامهم, وذلك لأي تهم سخيفة و حتى أسخف من تهم الاسلاميين !! . وعليه فلا مشروع ولا حل سياسي لدى الاسد مما يفسر تورطه في الحل الامني.. وبالتالي فإن جزار حمزة الخطيب ليس متساو مع جزار باب عمر, فالاول صاحب تاريخ ومهنة بالقتل والاقصاء ويمتلك كل ادوات القمع والقتل (التي يعرفها الكاتب يوم كان الاسد في لبنان), بينما القتل لدى الاخر طارىء و ردة فعل (وكلاهما جرم), فالاوْلى بالكاتب تحري الدقة لكي لا يستثمر ويستغل الام الناس !! ولا يقرر من عنده سلفاً ان هذه هي حقيقة المشهد, فهذا لايمت للديمقراطية باية صلة!! فالحقيقة هي انه كما تدخلت قوى الاستعمار (لحرف) الثورات في كل البلاد العربية عن مسارها ,فإن نظام الاسد ومن لف لفه قام (لسحق) الثورة ووأدها في مهدها.
-
الجاهليهذكرث كل الدول العربية العائده الى الجاهليه. فاتك الإشارة إلى النظام السياسي اللبناني الذي هو مثال ساطع على القهر والتخلف والتمييز. الفرق في لبنان هو ان الطغمه القائده تتبجح وتتباها ب "تفرد و نجاح النظام" و "التعايش المثالي للقبائل اللبنانية المختلفة". فقط في لبنان، التمييز بين المواطنين مكرس في الدستور
-
يسلم تمكعلى سيرة قانون الجواري المقترح في تونس , نسيت ان تذكر البقية و هي ’’يفضل ان تكون اما من النصارى او اليهود’’ !! بس منيح اللي ما جبت سيرة خيرت الشاطر لانو مرشد الاخوان حذر الصحافيين من التعرض له لان دعواته مستجابة !! ...يعني اذا دعى عليكم في الاخبار بيجيب اخرتكم !! الله يسترنا من الاعظم يا استاذ .. بعدنا ما شفنا شي , لسا عم نقول يا هادي