على طريق الشام، يتربّع قضاء عاليه. قانون الستين يرمي هذا القضاء في حضن النائب وليد جنبلاط. لا مجال للعب. خصوم جنبلاط يُدركون ذلك أكثر من حلفائه. يقول مسؤولٌ في الماكينة الانتخابيّة العونيّة إن الأصوات الدرزيّة التي يملكها جنبلاط توفّر له 48 في المئة من أصوات الناخبين في هذه الدائرة. ما على حلفاء جنبلاط المسيحيين إلا تأمين 2 في المئة فقط، وهكذا يفوزون. أيام مجيد إرسلان كانت الأمور مختلفة. كان يُقاسم كمال جنبلاط الأصوات الدرزيّة، فيحسمها الحليف المسيحي الأقوى، الذي كان كميل شمعون لصالح «أمير الاستقلال».
يُدرك الاشتراكيّون أن قانون الانتخابات باقٍ على حاله، لذلك لا يجدون ضرورة لتزييت ماكينتهم بسرعة. فلتعمل بهدوء. مسؤولوها حفظوا اللعبة الانتخابية، والمفاتيح يدركون ما عليهم القيام به. غالبية الناخبين الدروز مقيمون في قرى عاليه ومدينتها أو مغتربون، لكن لا حاجة جديّة إلى نقل ناخبين من خارج لبنان.
ليس الحزب الديموقراطي اللبناني هو المنافس الأول للاشتراكي في عاليه. تبدو الأمور كأن هناك قبولاً ضمنياً لدى الإرسلانيين بتقاسم المقاعد الدرزية مع جنبلاط في هذه الدائرة. يمثل أكرم شهيب الجنبلاطيين، ويذهب المقعد الآخر إلى رئيس الحزب طلال إرسلان. لذلك لا معركة جدية لدى الإرسلانيين، رغم أن «المير» يعمل لتأمين الخدمات لجمهوره.
مفارقة غريبة تحكم علاقة إرسلان والدروز. يفوز الإرسلانيون بالانتخابات البلديّة في العديد من قرى عاليه، بفارق كبير عن الاشتراكيين، لكن عند الاستحقاق النيابي، يميل الناخبون أنفسهم صوب الجنبلاطيين. بلدة شارون مثال صارخ. يبدو كأن الناخب الدرزي يُريد المحافظة على الثنائيّة داخل الطائفة، وإعطاء الشرعية كاملة لوليد جنبلاط على الصعيد الوطني. تنقسم الأرقام درزياً بوضوح: 70 في المئة جنبلاطيون و30 في المئة إرسلانيون.
هناك بين خصوم جنبلاط من يقرأ الأمور على نحو مختلف. إنها الخدمات، يقول هؤلاء. يشير بعض العونيين إلى وزارة المهجرين. «باتت كقصة إبريق الزيت». من المفارقات، في رأي هؤلاء، أن الوزارة وصندوقها الصدوق يُطلقان العنان لمساعداتهما في فترة الانتخابات. يلفت عونيون إلى أن الصندوق «فُتح» منذ أسابيع. «رؤساء البلديّات يُحضرون اللوائح لترسل إلى الرفيق أكرم (شهيب) ليرسلها بدوره إلى صندوق المهجرين». يقول أحد المسؤولين الأساسيين في الماكينة العونيّة إن صندوق المهجرين صرف في بلدة واحدة، قبل أيام من انتخابات حزيران 2009، ما يوازي ما يحق للمرشّح أن يصرفه في معركته الانتخابيّة.
عاليه عنوان أساسي لمعركة وليد جنبلاط ــ ميشال عون. الكيمياء المفقودة بين الرجلين تنفجر في هذا القضاء. ثلاثة مقاعد يشغلها مسيحيّون، يشعر العونيّون بأن جنبلاط يخطفها منهم. يُنسّقون مع حليفهم الإرسلاني، لكنهم لا يتكلون عليه. يُدركون أن عمله تقليدي. هكذا يُردد العديد من شبابهم. لذا يكسرون الحاجز المذهبي ويذهبون صوب «الإخوة الدروز». يشير مسؤولون عونيّون إلى سيزار أبي خليل. هذا الشاب الذي عرف كيف يستفيد من موقعه القريب من الوزير جبران باسيل. ولكونه نشيطاً، «كملت معه». فتحت أبواب الوزارات أمامه، وهو عرف كيف يُدير المعركة خدماتياً، منذ انتهاء انتخابات 2009.
تمكّن أبي خليل من تنصيب نفسه ممثلاً خدماتياً لمسيحيي عاليه. هو مدخلهم إلى الخدمة تحديداً في الحكومة الحاليّة. لا يُنافسه النواب المسيحيّون الثلاثة. فادي الهبر ينشط بالحدّ الأدنى. تطوّر عمله في الفترة الأخيرة. لا يغيب الرجل عن المناسبات الاجتماعيّة، بعكس النائبين الآخران فؤاد السعد وهنري الحلو، اللذين يغيبان عن السمع طويلاً. يقول العونيّون إن أثر عملهم بات واضحاً: «أن يتظاهر نائب حالي (شهيب) ضد مرشّح خاسر (سيزار أبي خليل)، فإن هذه مفارقة غريبة».
كل المؤشرات توحي بأن صراع جنبلاط ــ عون سيستمر طويلاً. قانون الستين يضمن الانتصار لجنبلاط. الدوائر الفرديّة تعيد الاعتبار لبعض مرشحي عون. النسبيّة تضمن تمثيل الطرفين.
إلى جانب معركة جنبلاط ــ عون، تدور في الظل معركة كتائب ــ قوات. أوّل من أمس، جمع سمير جعجع فعاليات من عاليه في عشاء سياسي. تجمع القوات اللبنانيّة قوتها، لتقول إنها تستحق مقعداً في هذا القضاء. ماكينة الكتائب لم تبدأ بالعمل بعد. بانتظار ذلك، يُقر الجانبان بأن لقانون الانتخاب وحجم الدوائر الدور الأبرز في تحديد المرشحين وحصص الأحزاب، لكن الجانبين يؤكدان حقاً مكتسباً بالتمثّل في هذا القضاء. صراع الأرض سينتقل تدريجياً إلى الغرف المغلقة، من دون أن يتوقف على الأرض. وفي الغرف المغلقة ستقرر تسويات، وعمليّة بيع وشراء للمقاعد بين هذه الدائرة وتلك، وخصوصاً إذا بقي قانون الستين جاثماً على الصدور.
بين هؤلاء جميعاً، خرج شيخ في انتخابات صيف 2009، كمرشّح درزي ثالث منع التزكية في عاليه، ونال نحو ستة آلاف صوت، بموازنة تقدر بملايين قليلة من الليرات اللبنانيّة. مرشّح مستقل عن اللوائح، ومسيّس بالكامل لكونه نائب رئيس تيّار التوحيد (وئام وهاب). ستة آلاف صوت نالها سليمان الصايغ، جعلت منه مرشحاً على مقاعد الاحتياط، لكنه قادر على الوثوب في أي لحظة واقتناص مقعد درزي إذا ما تغيّر قانون الانتخاب وحجم الدائرة.