لم يصرّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على موقفه بعقد جلسة قبل الأربعاء المقبل لمناقشة دراسته حول مشكلة الإنفاق، بعدما رفض وزراء تكتل التغيير والإصلاح ذلك. ولم يذهب وزراء الأكثرية بعيداً في رفع السقف، ولو أنهم ردوا على تهديد ميقاتي بفرط الحكومة بتهديد مماثل، ليخرج الجميع من قصر بعبدا وقد تعادلوا مجدداً في انتظار جولة جديدة.
لكن التعادل، هذه المرة، حمل معه مؤشرات جديدة. وبحسب أحد الوزراء المعنيين مباشرة بجولات الحوار حول الإنفاق، فإن الحل «التقني» موجود، لكن اللعبة اليوم سياسية بامتياز. بمعنى أصح، فإن شد الحبال لا يحتاج الى دراسة حول بنود قانون المحاسبة العمومية، أو حلول عجائبية لمعضلة تشد الخناق على مؤسسات الدولة. فالمعركة تنحصر في إمكان دفع الرئيس ميشال سليمان الى توقيع المرسوم الخاص بـ 8900 مليار، لا في كيفية إيجاد حل للإنفاق الظرفي الموقت، لأن الدستور بحسب الذين يعارضون رئيس الجمهورية أعطي للاستخدام لا للتعطيل. لكن القطبة المخفية، بين رفض رئيس الجمهورية التوقيع وتموضع فريق النائب وليد جنبلاط معه، وتأييد قوى 14 آذار له، تتعدى الالتزام بنص الدستور، لتصبح مع الكلام الأخير لجنبلاط تركيزاً للاصطفاف، تمهيداً للانتخابات النيابية المقبلة.
فالفريق الأول يتماهى في السياسة الى جانب رئيس الجمهورية داخل مجلس الوزراء، متسلحاً بموقعه الوسطي، في انتظار جلاء صورة الوضع السوري أكثر ليعمق الهوة بينه وبين قوى 8 آذار، التي تعتبر أنه استعجل في رسم نهايات مبكرة للنظام السوري. أما الفريق الثاني فيريد دفع رئيس الحكومة الى تمركز نهائي في الاصطفاف الحاصل لدفعه الى حسم خياراته في الانضمام الى الأكثرية الحالية في الانتخابات المقبلة.
والواضح أنه بعيداً عن سجالات مجلس الوزراء، تعقد لقاءات بعيداً عن الأضواء، بين الأفرقاء المسيحيين أنفسهم، وبينهم وبين حلفائهم تتركز على صياغة تفاهمات حول قانون الانتخاب، وقد قطع بعضها شوطاً مهماً. وثمة ملامح تفاهمات مسيحية على قانون الانتخاب، بعدما أكد جميع المشاركين في اللجنة المنبثقة عن اجتماعات بكركي رفض قانون الستين، الذي أقره اتفاق الدوحة، من دون أن تعلن اللجنة ذلك صراحة، لاعتبارات تتعلق بحسابات كل طرف مع حلفائه.
من هنا، تضيق الخيارات أمام القوى المسيحية في اختيار قانون الانتخاب. ويقول الوزير جبران باسيل لـ«الأخبار» إننا مستعدون للوقوف الى جانب القوات اللبنانية في رفضها قانون الستين، والذهاب الى تفاهم على قانون النسبية». لكن المشكلة لا تكمن في إمكان التوافق المسيحي الداخلي على رفض قانون الستين، الذي أيده المسيحيون قبل مؤتمر الدوحة وخلاله في خطأ تاريخي، رغم أن بعضاً من قادتهم استشاروا حينها، من الدوحة، الباحث الانتخابي يوسف شهيد الدويهي، فنصحهم برفض القانون الذي صوّر على أنه «يعيد للمسيحيين حقوقهم التي فقدوها نتيجة تطبيق خاطئ للطائف، في حين أنه لا يعطي المسيحيين ما كانوا يتوقون إليه». وهذا ما أثبتته التجربة لاحقاً، بل تتعلق المشكلة بتمكن القادة المسيحيين من حمل حلفائهم على تبني ما يريدونه، ولا سيما أن بعض المطلعين حقيقة على موقف المستقبل والاشتراكي يعتبرون أن الفريقين يناوران للحصول في نهاية المطاف على قانون 1960.
ولذا، تكمن أهمية موقف القوات اللبنانية داخل اللجنة أنه يؤسس لقاعدة تفاهم على الخط المسيحي، ويوسع قاعدة النقاش والتفاوض مع تيار المستقبل، الذي اكتفى حتى الآن بإعلان موقفه الرافض للنسبية، من دون أن يحدد أي قانون يريد، أسوة بموقف حزب الله. ويؤكد النائب أنطوان زهرا، من جهته، لـ«الأخبار» تقدم النقاشات في قانون الانتخاب، في اللقاءات التي تعقدها القوات، سواء مع المستقبل أو مع اللجنة الرباعية». ويقول «خياراتنا تتراوح بين تبني القانون القائم على النسبية المدروسة، أو القائم على أساس الدوائر الصغرى. وندرس كلا المشروعين بتفاصيلهما الدقيقة».
ويوضح أن النسبية المدروسة لا تعني تلك التي تقدم اليوم «وتطرح بهدف إلغاء كتل معينة». ويقول «لن نقاتل حكماً من أجل قانون الستين. وبين الإبقاء على هذا القانون والنسبية، سننحاز الى الثاني. لكننا لن نختار الصيغة الفضلى إلا بعد النقاش مع حلفائنا، ولا سيما في ظل رفض تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط للنسبية كما طرحت أخيراً».

جنبلاط وحزب الله

في المقابل، بدا جنبلاط في خطابه الأخير أنه يرسم مساحة متمايزة مع حزب الله حول قانون الانتخاب، بعدما نظّم خلافه مع الحزب بشأن الموقف من النظام السوري، متعهداً في الوقت ذاته بعدم خرقه الأكثرية وخروجه من الحكومة. فزعيم المختارة الذي يريد من الحزب مراعاة وضعيته في الجبل، يدرك تماماً أن على كتفه أكثر من حمّال: في الشوف، حيث يشكل الطرف السني الثقل الانتخابي في الإقليم، وفي بعبدا التي خسر معركته فيه عام 2008، وفي عاليه حيث يتحتم عليه الوقوف على خاطر حلفائه المسيحيين كما في الشوف، فضلاً عن بيروت والبقاع الغربي.
وجنبلاط الوحيد الذي أعلن جهاراً ما يريده، وقد يكون موقفه من قانون الانتخاب الأكثر صراحة ووضوحاً في سلّم المواقف السياسية التي يطلقها تجاه الحلفاء والخصوم. لكن رئيس جبهة النضال متيقن من أن أمامه كثيراً من العقبات لاجتياز قطوع الانتخابات، ولو أنه يملك مفتاح الترجيح لهذا القانون أو ذاك في المجلس النيابي. فحلفاؤه الحاليون مدركون أن عينه على السعودية، كما على سقوط الأسد، وأن انفتاح باب الرياض على مصراعيه سيسهل عليه كثيراً حسم خياراته قبل الانتخابات. لذا، يحاول التصويب على رئيس تكتل التغيير والإصلاح بدلاً من الحزب، الذي يعقد ممثلوه لقاءات دورية معه، مستثيراً العصب في الجبل والمعارضة، على السواء، التي تقف معه في المعركة ضد عون.
في المقابل، فإن حزب الله الذي راعى موقف جنبلاط وخصوصيته في التعاطي مع النظام السوري، لم يقل كلمته بعد في القانون الذي يريده، بعدما قال ما لا يريده من خلال رفض نائب الأمين العام لحزب لله الشيخ نعيم قاسم قانون 1960. في الجو العام، لا يضير الحزب شيء في قانون الستين، فهو يؤمن له حصته الشيعية الصافية. أما النسبية، فهي باعترافه قد تخسره بعض المقاعد على قلتها، لكنه لا يرفضها إذا كانت على أساس لبنان دائرة واحدة أو على أساس المحافظات. ومع ذلك، لم يتبنّ الحزب علناً قانون الانتخاب الذي يريده. وبحسب أخصامه، لن يقول حزب الله كلمة في هذا الملف قبل جلاء الصورة الإقليمية، وقد لا يعلن موقفاً في انتخابات لا يريد إجراءها. والمهم اليوم، بحسب ما يقول منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيد، الحصول على «الضمانة السياسية لإجراء الانتخابات». وهذه وحدها تكفي قبل الذهاب الى بحث قانون الانتخاب.