«الحكم استمرارية ونأمل أن يكمل رئيس الحكومة المقبل ما انجزناه مع الرئيس سعد الحريري». الكلام لمساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان المستشار إدغار شهاب، أثناء إطلاق وزير البيئة محمد رحّال تقرير لبنان الوطني الثاني حول اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، في وزارة البيئة، أمس، بحضور عدد من المسؤولين في الوزارات المختصّة. منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة، أوصى الفريق الاستشاري للرئيس الحريري بأن موضوع تغير المناخ قضيّة تحتلّ أولويّة عالمية وتمثّل عنصر استقطاب إعلاميّ وسياسيّ. لم يتأخر الرجل في المبادرة، فلحظ في البيان الوزاري لحكومته الأولى تعهداً «برفع إنتاح الطاقة المتجدّدة إلى 12% بحلول عام ٢٠٢٠»، ثم سارع إلى تأليف وفد كبير للمشاركة في قمّة المناخ التي عقدت أواخر عام ٢٠٠٩ في الدنمارك، مقدّماً التعهّد نفسه أمام قمة كوبنهاغن. يومها حمل نشطاء غرينبيس لافتة قرب السرايا الكبيرة في بيروت مع صورة متخيّلة للحريري وقد علا الشيب شعره في عام ٢٠٢٠ وهو يقول: «عفواً تركنا الحالة زي ما هيّ، كان لازم نضغط على السعودية». في إشارة الى الدور المعرقل للسعودية للوصول إلى اتفاق دولي ملزم وقوي حول خفض الانبعاثات من جانب الدول الصناعية الكبرى، دفاعاً عن النفط.
يغادر الحريري الحكم تاركاً لخلفه مهمّة الإيفاء بتعهد لم توضع له بعد عام على إطلاقه أي استراتيجية أو خطة جدية، فكيف يمكن الوصول إلى ١٢٪ طاقة بديلة ضمن الواقع الحالي لقطاعات الطاقة والنقل والنفايات التي تمثّل رافعة لأي انتقال إلى الطاقة البديلة؟
ويظهر التقرير الوطني الثاني للبنان بشأن تغيّر المناخ، الذي أطلق أمس، أن معدّل درجات الحرارة سيرتفع بحلول سنة 2040 بين 1oC على الشاطئ و2oC في الداخل، وبين 3.5oC على الشاطئ و5oC في الداخل بحلول سنة 2090. الأمر الذي يعني أن منطقة الهرمل ستصبح غير آهلة بالسكان.
ومن النتائج والسيناريوهات المبيّنة في التقرير، انخفاض المتساقطات بين 10و20% بحلول سنة 2040 و25و45% بحلول سنة 2090 مقارنة بالوضع الحالي. وسوف يزداد عدد أيام الصيف الحارة والليالي الحارة شهرين على الأقل. وسيرتفع سطح البحر تدريجاً بمعدل 20 ملم/سنة، ممّا يعني أنّ منسوب المياه قد يرتفع بين 30 و60 سنتم في الثلاثين سنة المقبلة، وممّا سيؤثر حتماً على الشواطئ الرملية في الجنوب وعلى محمية جزر النخل الطبيعية شمالاً.
في الزراعة، المتوقع انتقال زراعة بعض المحاصيل، خصوصاً الحمضيات والزيتون والتفاح، إلى المناطق الأعلى، وحصول تغيير في المحاصيل الزراعية وزيادة في طلب الري بسبب تقلبات في المتساقطات وفي نقص المياه، ممّا يهدّد الأمن الغذائي. وسنواجه تفاقم النقص بالموارد المائية إلى ما بين 250 وما يفوق 800 مليون متر مكعب سنوياً، وذلك بحلول سنة 2015؛ وكذلك تفاقم تلوّث الآبار الساحلية بالمياه المالحة.
في الأنظمة الإيكولوجية الأرضية، المتوقع اختفاء بعض أنواع النباتات واستبدالها بأخرى، وتعرّض غابات الأرز للتهديد بسبب ارتفاع درجات الحرارة. والغطاء الثلجي في لبنان سيتناقص في حدود 40% فيما لو زادت الحرارة درجتين، بينما سيصبح الانخفاض 70% عند ارتفاع درجة الحرارة أربع درجات، ممّا سيكون له آثار سلبية على تغذية الأنهار ومخزون المياه الجوفية.
وأكّد الوزير رحال أنه على الرغم من أن لبنان مساهم ضئيل في الانبعاثات العالمية، وعلى الرغم من أنه ليس لديه أي التزامات بخفض انبعاثاته، فهو معنيّ مباشرة بالعمل على وقف استنزاف موارده الطبيعية وتطوير نظام مواجهة يتأقلم مع التغيّر المناخي ويَحدّ من التلوث.
وذكر رحّال أن برنامج عمل وزارة البيئة للسنوات 2010ــ2012 تضمّن بنوداً عدّة للتكيّف والتخفيف من آثار تغيّر المناخ على الأنظمة الإيكولوجية مثل التشجير والإدارة المستدامة للغابات والتصدّي لحرائق الغابات. وبما أن المحميّات الطبيعيّة هي أكثر عرضة لتغير المناخ، لفت رحال إلى أن وزارة البيئة تعمل على استصدار مشروع القانون الخاص بالمحميات الطبيعية ومشاريع القوانين والمراسيم ذات الصلة، والحثّ على رصد الموارد المائية بما فيها الثلوج كمّاً ونوعاً، وتطوير مشاريع حول التكيّف مع تأثيرات التغيّر المناخي على الثروات الطبيعية، وخصوصاً الثروة المائية.
تجدر الإشارة إلى أن الدور الأساسي للّجنة الوطنية المعنية بمتابعة تغيّر المناخ يتمحور حول تأمين استمرار معالجة قضايا تغيّر المناخ، سواء أكان على المستوى الوطني أم الإقليمي أم الدولي، ودعم جميع الأنشطة والتوصيات التي ترفعها اللجنة. والتقرير الذي أعلنه أمس هو خلاصة ٣ سنوات من العمل ضمن مشروع ينفّذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في وزارة البيئة بتمويل من مرفق البيئة العالمي.
وكان الرئيس الحريري قد أعدّ اقتراحاً لإنشاء وحدة تنسيقية بين مختلف الوزارات حول موضوع تغيّر المناخ، تحاكي في عملها وحدة إدارة الكوارث التي بدأت العمل فعلياً، وتعمل هذه الوحدات عادة بأموال الهبات التي تقدمها الدول المانحة. اللافت أن التقرير الذي تضمّن في مقدمته شكراً للعشرات ممن ساهموا في إعداده ووضع ملاحظاتهم عليه، من الخبراء والأكاديميين اللبنانيين والعرب والأجانب إلى العاملين في وزارات ومؤسسات لبنانية ووكالات الأمم المتحدة العاملة في لبنان، خلا من اسم المدير العام لوزارة البيئة بيرج هاتجيان. ومن المعلوم أنّ تهميش هاتجيان كان من أبرز سمات عهد رحال في وزارة البيئة، ووصل الأمر بينهما الى حد القطيعة والشكاوى المتبادلة إلى هيئة التفتيش المركزي ومجلس شورى الدولة.