600 دولار أميركي هي كلفة الزواج المدني في قبرص على أقلّ تقدير. هذه رسوم البلدية فقط. والآن، صارت وكالات السفر تنظّم عروضاً خاصة للزواج المدني. قبرص ليست وجهة سياحية فحسب، إنها صرح قانوني بالنسبة إلى اللبنانيين. الطريقة التي تجري فيها الأمور بين قبرص ولبنان مضحكة، في ألطف وصف، ومهينة لمفهوم المواطن، في صريح العبارة. هكذا، ينزل تيار المجتمع المدني، اليوم، مجدداً إلى الشارع ليطالب بأبسط الحقوق: الزواج في الوطن لا في المياه الدولية القريبة. هذه المرة سيكون النشاط في الحمراء.
ستنصب خيمة لتعريف المواطنين بما يخشاه معظمهم: الحديث عن العلمانية والزواج المدني الاختياري. وإلى الأفلام التي ستعرض، والملصقات التي ستوزع، والأغنيات طبعاً، سيكون هناك شباب لاطائفيون، جاهزون للحوار مع المارة، كما يقول الناشط في التيار، باسل عبد الله.
في قضية الزواج المدني الاختياري، تحديداً، يشعر المعنيون بأن هناك أمراً سحرياً في الموضوع. ففي 16 آذار 1998، أقر مجلس الوزراء اللبناني مشروع قانون الزواج المدني الاختياري، بعدما طرحه الرئيس الراحل إلياس الهراوي، بغالبية 21 صوتاً، ومعارضة 6 وزراء. 21 وزيراً، يمكن الجزم بأن غالبيّتهم وصلت إلى السرايا الحكومية على خلفية طائفية، وافقوا على زواج مدني اختياري، هنا، في بلاد الطائفية. لكن هيهات أن يمرّ المشروع مرور الكرام. نام في الأدراج الشهيرة بخفّة السياسي اللبناني، بحراسة الغبار. أشيع حينها، أن رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، لم ينقل المشروع إلى مجلس النواب لأسباب تتعلق بحسابات سياسية ـــــ طائفية. أكثر من ذلك، لفت عضو المجلس الدستوري، سليم جريصاتي، في محاضرة سابقة، أقيمت في معهد عصام فارس للشؤون اللبنانية، إلى أن المجلس النيابي ضرب عرض الحائط برسائل رئيس الجمهورية آنذاك التي طلبت بحث الموضوع، وذلك في معرض حديثه عن صلاحيات الرئيس، التي لا تلزم المجلس بالأخذ في رسائله.
وأخيراً، خرج الناشطون المدنيون من القمقم. وبعد تسليم جمعية «شمل» رئيس المجلس النيابي مشروع قانون مدني لاطائفي اختياري، في 18 آذار 2011، أصبح موقعهم أفضل من الناحية النظرية. وللمناسبة، تيار المجتمع المدني، الذي ينظّم النشاط اليوم في الحمرا، يدعم القانون الذي أصبح في عهدة رئيس مجلس النواب نبيه بري. وفي هذا الإطار، أكّد عبد الله وقوف تياره إلى جانب القانون المقدم الآن، وذلك بناءً على رغبة جميع الناشطين المدنيين في توحيد جهودهم. رغم هذا الأمل، تبدو الحال مشابهة لما كانت عليه قبل 13 عاماً. سعي تيار المجتمع المدني، كما يؤكد أعضاؤه، في توفير 10 نواب من كتل نيابيّة متباعدة سياسياً، مستمر، ويبدو ناجحاً نظرياً. ومشروع قانون جمعية «شمل» صار في المجلس وينتظر الفعل بعد القول، حتى إن السياسيين باتوا يحجّون إلى خيمة إسقاط النظام الطائفي في الصنائع، يبدون دعمهم ويطلقون التصريحات التي تنبذ الطائفية إذا سئلوا عنها، ويعود الأوصياء عليهم إلى ممارستها ببسالة.
2011 لا تزال تشبه 1998. الأقوال موجودة، والجميع في انتظار الفعل. في النهاية، المجتمع المدني، بمعزلٍ عن نشاطه، سواء أكان مثمراً أم لا، ما زال رهين الطبقة السياسية الحاكمة. هكذا، يبدو السؤال عن مستقبل قانون الزواج المدني كلاسيكياً. النشاط اليوم، كما يعرف المسؤولون عنه، هو للتخفيف من حدة وقع المصطلحات المتشعبة من العلمانية على الذين لا يعرفونها جيداً. وقد كانت هناك تجربة قبل أشهر، فعلى كورنيش المدينة، تعرّف كثيرون إلى الزواج المدني في نشاط مشابه، ورحّبوا به «إذا كان لا يمس معتقداتهم». المعتقدات هنا «تابو»، والكارثة أن تقديسها يأخذ منحىً طائفياً. ففي موازاة التحرك اللاطائفي، وزّع أمس شباب من «حزب التحرير» منشورات في محيط خيمة الناشطين في رياض الصلح تتّهم العلمانيين بالكفر، وتستغرب «تبنّي الرئيس بري لمطالبهم».
وكي لا يُسمح لمن تسوغ له نفسه باتهام العلمانيين بالكفر، وإطلاق كلام أشدّ جهلاً، من نوع «التشبه بالغرب» و«العدوان على الشرع»، يجب أن يعرف الناس أكثر عن الزواج المدني وأخواته. الناشطون ينطلقون اليوم في حملة تعريف جديدة، فهل يأتي ذلك اليوم الذي يتزوج فيه إيلي وزينب في محكمة مدنية؟ ما أضيق العيش «لولا فُسحة العمل»!.