إيمان الجابر
قلَّما تغادر سمر سامي بيتها الصغير، في منطقة جرمانا (ريف دمشق). حياتها بسيطة ومتواضعة، تحاكي في سلوكياتها اليوميّة روحيّة المهاتما غاندي. تقول وهي تُعدّ القهوة: «أعشق فلسفته وأراها سبيل البشرية الوحيد للخروج من أزماتها». الفيلم الوحيد الذي تشتاق إليه وتحفظ تفاصيله هو «غاندي». تقول إحدى أبرز نجمات الدراما السوريّة: «تمرُّ أشهر لا أغادر خلالها البيت. القراءة ومشاهدة الأفلام ضرورة بالنسبة إليّ مثل الأكل والشرب».
مثل نهر هادئ حفر مجراه بصمت، صنعت سمر مكانتها الفنيّة. «لم أولد نجمة بضربة حظّ»، تقول. التمثيل بالنسبة إليها مهنة تحتاج إلى موهبة حقيقية، لا إلى شهرة وأضواء وأغلفة مجلات ومهرجانات. تقول: «عملي هو أن أمثِّل فقط وأكون أمينة للشخصيّة التي أؤديها». فوزها بجائزة أفضل ممثِّلة في «بينالي السينما العربيّة الثاني» الذي ينظّمه «معهد العالم العربي» في باريس، عن دورها في فيلم «الكومبارس» (1994) لنبيل المالح، كان إحدى أكثر اللحظات سعادةً في حياتها. «لم أذهب إلى باريس، بل أتتني الجائزة إلى بيتي. كان رئيس لجنة التحكيم الروائي أمين معلوف، وكان توقيعه جائزةً ثانية بالنسبة إليّ. إنّه مع يوسف إدريس الروائيان العربيان المفضلان بالنسبة إليّ».
أدّت سمر أدواراً متنوّعة أكسبتها حضوراً متفرداً وأداءً ذا خصوصية عالية. تقول: «لم أمثِّل أيَّ دورٍ لا أجد فيه ما يعنيني أو يقلقني». رغم جمالها النبيل، لم تؤدِّ أبداً دور السيّدة الجميلة أو العاشقة الهائمة. برأيها «الجمال حالة تعبيرية، وليس رموشاً اصطناعيّة وتبرّجاً وشعراً مصفَّفاً». هكذا، أدّت دور الأخت الكبيرة في فيلم «جليلة» لباسل الخطيب، ودور الأرملة المحرومة من الحب في فيلم «الكومبارس»، والابنة الكبرى المتسلطة والقاسية في مسلسل «بنت الضرة» لبسام سعد.
قد تكون الحياة بقسوتها هي التي كوّنت موهبتها. والدها رحل عن الدنيا قبل ولادتها بأشهر. كانت وحيدة أمها وكانت خالاتها من عمرها تقريباً. عاشت في بيت جدها لأمها تتقاسم مع العائلة فقرها. «لم أكن أدرك أنَّنا فقراء لأنَّني كنت أجد البرغل الذي تطبخه جدّتي طعاماً فاخراً. كنَّا نعيش ككلِّ الناس في حارتنا، وكانت هذه الحارة عالمي الذي أعرفه».
في حي الخالدية (حمص)، كانت لها صديقة وحيدة: صفيّة، توأم روحها. في صباح أحد الأعياد، قررت الصغيرتان الذهاب للعب على المراجيح، وكان عليهما عبور شارع رئيسي عند مدخل حمص للوصول. تتوقف سمر عن متابعة حديثها وتغصُّ بدموعها: «كنت ما زلت أشعر بحرارة يدها عندما غابت. لا أدري كيف أفلتت يدها من يدي. بحثت عنها فوجدت الشريطة الصفراء وخصلة من شعرها». شاحنة مسرعة أخذت معها صفية. لم تفهم سمر، ابنة السنوات الخمس حينها، ما حدث. تقول: «أيام وليالٍ وأنا في هذيان وحمّى وكوابيس مرعبة. صعقني ذلك المشهد وأثَّر في حياتي تأثيراً عميقاً، لقد عرَّفني بالموت».
في طفولتها، لم تكن سمر تعرف إلَّا التعبير بصمت. لذلك لم تفهم أمُّها سبَب امتناعها عن الذهاب إلى المدرسة. تسترسل في سرد ذكريات عن تلك المرحلة: «كنت أجلس قرب النافذة صامتةً، أراقب الباحة الخارجية، ولا أشارك الأطفال الفوضى والضجيج. عندما دخلت المعلمة إلى الصف لاحظَت صمتي، رأيت ذلك في عينيها. ومع ذلك، أصرَّت على عقابي معهم». عصا واحدة كانت كافية لكي تهجر المدرسة إلى غير رجعة. كثيرون ممن يعرفون سمر، لا يتوقعون أنّ هذه الفنانة المثقفة ليست خريجة جامعيّة. تقول بزهو مَن يقدِّر ذاته: «علَّمت نفسي بنفسي. احتاج الأمر إلى سنوات طوال. كنت أتذكَّر ما تعلَّمته من حروف في المدرسة وأربط بينها وبين الأسماء التي كانت تُكتَب تحت الصور في المجلات. مثلاً أعرف رشدي أباظة فأحلِّل اسمه وكيف هو مكتوب وأقضي في ذلك ساعات وساعات». كانت أوقات فراغها طويلة، وخصوصاً بعدما منعها أهلها من اللعب في الشارع مع بداية تفتّح أنوثتها. وجدت في بعض الكتب التي تركها زوج خالتها المتوفى الحلّ لقتل الوقت: «كنت أشعر بأنَّ فيها أسراراً تستفزني. بعد مرور سنوات، صارت هذه الكتب أغلى ما أملك، وأصبحت القراءة كلَّ حياتي، ومعها بدأت أكتشف ذاتي. أول رواية قرأتها، كانت «الموسيقي الأعمى» للروسي كورولنكو».
غرقت سمر في عالمها المصنوع من كلمات وورق، وازدادت عزلتها عن محيطها. خافت أمّها عليها فأرسلتها لزيارة إحدى صديقاتها في دمشق، علَّها تخرجها من كآبتها: «غيّرت هذه الزيارة حياتها بالكامل».
تنهي كأس المتة وننتقل إلى الشرفة المطلة على شارع هادئ، تخبرنا: «ابنة صديقة أمي كانت شابة جميلة ترقص في فرقة للفنون الشعبية، وكان لديها عرض في حلب في نادي «الموغامبو» الليلي، فطلبت مني مرافقتها. اكتشف صاحب المكان أنَّ صوتي جميل وطلب إليَّ أن أغني ثمَّ عرض علي العمل عنده». منذ ذلك اليوم، أصبح للشابة الصغيرة التي تغني أم كلثوم وعبد الوهاب وفيروز جمهورٌ يأتي لرؤيتها كلّ مساء، وكان ذلك عام 1974.
بعد أربع سنوات على الغناء، قرَّرت الانتساب إلى نقابة الفنانين في دمشق كمطربة. أثناء وجودها في مبنى النقابة رآها المخرج فردوس أتاسي. لفته جمالها الخاص وصغر سنِّها، وكان يبحث حينها عن فتاة في عمر المراهقة من أجل دور رئيس في مسلسله «أحلام منتصف الليل». سألها: هل تمثِّلين؟ فأجابته: «لا أعرف التمثيل، لكنّني أرغب في التجريب». فقال: « لنجرّب إذاً». لم تكد سمر تنتهي من التصوير حتّى سمع عنها هيثم حقي، فأعطاها بطولة عمله «الوسيط»، في العام نفسه. منذ ذلك اليوم، أصبحت الممثلة المفضَّلة لدى حقِّي وعند الكثير من المخرجين. لم تنقطع سمر عن الغناء، إذ بقيت تغني في المكان ذاته حتى 1980، إلى أن استقرت في دمشق وفي التمثيل الدرامي... نهائياً.


5 تواريخ

1962
الولادة في مدينة حمص

1978
أول دور لها في مسلسل «أحلام منتصف الليل» لفردوس أتاسي

1994
جائزة أفضل ممثلة من «بينالي السينما العربيّة» الذي ينظّمه «معهد العالم العربي في باريس» عن دورها في فيلم «الكومبارس» لنبيل المالح

2004
حصلت على جائزة «أدونيا» لأفضل ممثلة عن دورها في مسلسل «أحلام كبيرة» لحاتم علي

2009
انتهت من تصوير عملين «زمن العار» و«سحابة صيف» وتتابع محاولاتها في تعلِّم اللغة الإنكليزية وحدها