أن تكون حفيداً لحسن البنا، مؤسس «الإخوان المسلمين» الذي اغتيل في عهد الملك فاروق، ليس بالأمر السهل. إنّه إرث ثقيل على أي أحد، فما بالك بشخص ولد في جنيف، وترعرع فيها، ولم يُعِد اكتشاف أرض الكنانة إلا وهو في الثلاثين حاملاً دكتوراه في الفلسفة عن فكر نيتشه؟ هذا هو طارق رمضان. إنّه ابن سعيد رمضان، الوريث الروحي لحسن البنا الذي نفاه جمال عبد الناصر من مصر إلى سويسرا. عاش طارق رمضان في أوروبا كأي ابن لمهاجر مصري من الجيل الأول، يعاني ادّعاء التفوق الثقافي والعنصرية، إلّا أنّه آثر الرجوع إلى الجذور مكتشفاً جدّه البنا، صاحب مقولة «الإسلام هو الحل».
بعدما حلّ ضيفاً على ميشال ألفتريادس ضمن سلسلة «غير لائق سياسياً»، يقدّم «الداعية » الإسلامي غداً محاضرة في «الجامعة الأميركية في بيروت» بعنوان «صراع التصورات ـــــ أي دور للإسلام في عصر الثورات العربيّة؟». تندرج المحاضرة ضمن مؤتمر دولي تنظّمه الجامعة بالتعاون مع مؤسسة «هينرش بُل» يومي 1 و2 نيسان (أبريل) بعنوان «رؤية الغرب للإسلام والاحتجاجات العامة في العالم الإسلامي بعد عشر سنوات على اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر)». يسلّط المؤتمر الضوء على ظاهرة «الإسلاموفوبيا» (رهاب الإسلام) في الغرب، ومسائل حرية التعبير والعنصرية والسياسات الاندماجية التي تطال المهاجرين.
تأثير المفكّر طارق رمضان في العالم العربي والإسلامي محدود، إذا قورن بحضوره في النقاشات السياسية والثقافية العامة التي تعقد في الغرب. يمكن إرجاع ذلك إلى كون أعماله مهجوسة بمحاولة حلّ عقدة المهاجر العربي والمسلم، وتحطيم الحواجز النفسية والفكرية والثقافية التي تقف أمامه. بعد انتخاب أوباما رئيساً، نظرت الطبقة الحاكمة الأميركية بعين الرضا إلى أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة «أوكسفورد» الذي يعتقد أننا «بكّرنا في دفن كتابات كارل ماركس».
يتحلّى رمضان بذكاء وسرعة خاطر كبيرين، ويوظّف قدراته هذه للدفاع عن قضيته، وهي حقوق المهاجرين من أصول مسلمة. اشتهر مثلاً بمناظرة الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي عام 2003 ـــــ وزير الداخلية آنذاك ـــــ حول مسألة منع الحجاب في فرنسا. وقد رأى يومها أنّ للمرأة المسلمة الحق في ارتداء الحجاب، وهو الحق في اختيار الملابس الذي يفترض أن يكفله مبدأ «العلمانية» الفرنسي، أي فصل المجال «الخاص» عن المجال «العام». ويمثّل الداعية السويسري تحدياً دائماً لليمين الصاعد في فرنسا الذي يحلو له تحويل مسألة العلمانية إلى إيديولوجيا شبه رسمية للنظام الجمهوري، من أجل تورية النقاشات حول الوضع الاقتصادي المتردّي، فإذا به يخترع عدواً وهمياً هو «البرقع»...
يمكن القول إنّ «الإسلام الأوروبي»، هو الماركة المسجّلة لرمضان الذي ألّف 27 كتاباً حتى اليوم. هو مزيج حداثي على الصعيد الثقافي بين تراث أوروبي غربي، تأثّر به رمضان السويسري، وهويّة عربية وإسلامية مهاجرة، طالما حملت معها هواجس صدمتها الثقافية. وفي وجه المحاولات اليمينية لدمج المهاجرين من أصول عربية، ليست دعوة طارق رمضان هؤلاء إلى عدم القبول بمواطنة «درجة ثانية»، والانخراط في النقاش السياسي الدائر في بلدانهم على مختلف الصعد، إلا حلّاً مرعباً للأحزاب الأوروبية التي ما انفكّت تنخرط في خطاب أكثر يمينيةً. يبقى رمضان معنياً بقضية فلسطين، كأي عربي وأي حرّ في العالم. يدافع عن حق الإنسان في أن ينتمي إلى هويات متعددة. كذلك يقف دوماً بالمرصاد لمفكرين قريبين من التيار الصهيوني في أوروبا مثل برنار هنري ليفي وألان فنكلكراوت. في المقابل، ترمى تهم معاداة السامية في وجهه دوماً، مع أنّه لم يدخل في لعبة التباري على مركز الضحية، مثل مفكّرين آخرين، عرباً وغربيين. لكنّ بعض مقارباته تبدو أحياناً سلفيةً كمعارضته لزواج مسلمة من غير مسلم... وإذا قورنت أفكاره في هذا المجال بآراء قريبه المفكر الإسلامي جمال البنا الذي يعيش ويعمل في مصر، لأمكن عدّ آراء الأخير أكثر تقدّمية.
يمكن النظر إلى الداعية السويسري بـ«إسلامه الأوروبي» كأنّه حسن البنا آخر... لكنّه ليس مصرياً ولا يعمل في السياسة، بل سويسري، يعمل في مجال الفكر، ويحاول حلّ مشاكل العنصرية ضد العرب والمسلمين بدلاً من السعي للوصول الى السلطة... لهذا، تبدو طروحاته أولوية المهاجرين، وهم بأمسّ الحاجة لمن يتكلم باسمهم، خصوصاً إن كان بذكاء طارق رمضان وطلاقته.

«صراع التصورات ـــ أيّ دور للإسلام في عصر الثورات العربيّة؟»: 7:00 مساء غد ــــ «الجامعة الأميركية في بيروت» (قاعة عصام فارس). للاستعلام: 01/340460




«الشفقة الأوروبية»

يحتدم النقاش مع طارق رمضان اليوم على شاشات التلفزة حول موضوع المرأة في الإسلام. الشفقة الأوروبية المبالغ بها على حقوق المرأة المسلمة، تبدو أشبه بدعوات نقل الحضارة إلى أعراق وأديان «أدنى»، كما كان ينادي المفكّرون الغربيون في القرن التاسع عشر خلال الحقبة الاستعمارية. ليس أدلّ على ذلك من الموقف العبثي الذي فاجأنا به أخيراً قطبان في «الحزب الاشتراكي الفرنسي»، هما أمينته العامة الحاليّة مارتين اوبري، والسابق لوران فابيوس، الإسرائيليّ الهوى، الموجود حاليّاً في بيروت أيضاً، حيث قدّم أمس في «قصر الصنوبر» كتابه الجديد «قاعة الاثنتي عشرة: نظرات على لوحات صنعت فرنسا» (غاليمار). لقد سحب الاثنان توقيعهما من عريضة تدعو حكومة ساركوزي إلى التراجع عن إجراء «نقاش حول الإسلام والعلمانيّة» لأنّ اسم طارق رمضان وارد على قائمة الموقّعين!